هل تعلم أن “القهوة العربية” اعتبرت “بِدْعَة” أُفْتِيَ بتحريمها؟
قبل بدايات القرن السابع عشر للميلاد، لم يكن للقهوة التي نستمتع باحتسائها ونتلذذ بطعمها، ونعدّ تقديمها للضيف شكلاً من أشكال الترحيب والتكريم، شأنٌ في الحياة كما هي عليه اليوم.
فبعد أن وصلت إلى بلاد الحجاز من اليمن ومنها انتقلت إلى بلاد الشام، ولما شاع شربها بين الناس، حاربها “علماء الدين”، وأفتى بعضهم بتحريمها كونها “خمرة مُسكِّرة”، حتى أنه في زمن إمارة سعود بن إدريس لمكة المكرمة سنة 1039 هـ صدر الأمر بجلد بائعها وشاربها وطابخها.
وذكر الباحث “منير كيال” في كتابه “دمشق الشام ذاكرة الزمان”: حينها صار الناس يتعاطونها في أقبية البيوت، فإذا داهمهم المكلفون سحبوهم بالعنف إلى ساحة عامة وضربوا رؤوسهم بأوانٍ من فخار وربما قضي عليهم من هول الضرب وقد يجلدونهم بالسياط.
ويضيف “كيال” أنه لم تلبث هذه الحرب ضد متعاطي القهوة أن خمد وطيسها، وحصل التراخي في ملاحقة محتسي القهوة إلى أن أخذت هذه المكانة وهذا الشأن المتميز في حياة العرب لدرجة أنهم نحتوا من اسمها فعل “تقهوى، يتقهوى، تقهوياً”.
وباتت القهوة دليل على كرم المُضيف، ووسيلة للتعبير عن إكرام الضيف والوجاهة، وللتعبير عن الفرح والحزن أيضاً، حتى أصبحت في أعراف العرب تُعرَف بـ”كار الأجاويد”، ويقول الباحث “كيال” في هذا الخصوص: باتت القهوة مفتاح الكلام والسلام في المجالس، وعندما يشرب الضيف قهوة إنسان يكون قد مالحه، يصبح له من الحقوق ما يعجز عن الوصف، وأهمها أن يبيت كل من الضيف والمُضيف أميناً من الآخر.
وأصبحت القهوة بمنزلة الرغيف الذي يخشى حامله أن يشاطره فيه من لا يستحق الممالحة ولا تليق به حقوقها، لأنه ليس كفؤاً لها، وباتت تحمل الكثيرمن المعاني الحميمة التي تنبع من الذات العربية وما تنطوي عليه هذه الذات من المعايير الحميدة المتأصلة في النفوس.
يقول “كيال”: يعتبر الفنجان الأول الذي يقدمه “المُعزِّب” للضيف بمثابة إكرام له، ولا بد من احتسائه احتراماً للمضيف، إلا في حال قدوم الضيف لغرض أو حاجة، هنا يتناول الضيف الفنجان ويضعه جانباً أو يرفعه أعلى قليلاً إجلالاً للمعزب ثم يجعله على مستوى فمه، قائلاً: “قهوتكم مشروبة إذا ما تردني يا وجه الخير خائباً”، وبعد استجابة المضيف لطلب ضيفه يسود الود والصفاء بينهما.
ويضيف: أما الفنجان الثاني فيعدّونه للكيف، لأنه بمنزلة الاعتراف بطيب القهوة المقدمة واستساغتها من الضيف، بينما الفنجان الثالث فيقدم للفرسان، والرجال أهل الحلّ والربط، وهو تقدير لأعمالهم وأياديهم البيض، فهو بهذا المعنى للسيف والرجولة والموقف الشهم.
وكان من عادات صَبّ القهوة أن الساقي لا يصب في كل مرة إلا رشفة واحدة لا تكاد تستر قعر الفنجان، ويعدّ ذلك من الإكرام، أما إذا ملأ الساقي فنجان أحدهم، كان ذلك بمنزلة الاحتقار لمن يقدم له ذلك الفنجان، وكذلك فإن تخطى الساقي أحدهم، فقد أهانه إهانة لا تغتفر.
ومن تقاليد القهوة أيضاً أنه إذا اكتفى الضيف بعد أن يصب له الساقي الفنجان، وجب على الساقي أن يشرب ذلك الفنجان، أو أن يريقه على الأرض ولو كانت مفروشة بالسجاد، ولا يجوز إطلاقاً تقديم ذلك الفنجان لشخص آخر، لما لذلك من معاني الاستخفاف والامتهان.
وجاء في كتاب “دمشق الشام ذاكرة الزمان” أن دمشق تميزت كغيرها من الحواضر العربية بصنع الدِّلال والمصاب الخاصة بالقهوة العربية، وكان لصناع دلال القهوة سوق يتجمعون فيه في منطقة الدرويشية بدمشق، ثم امتد انتشار صناع هذه الدلال إلى منطقة السنانية، ومن أهم الأسر المعروفة بهذه الصناعة: الدالاتي، الصالحاني، الرسلاني، الحمصي، والبغدادي.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر