عن الحمار الديموقراطي والفيل الجمهوري
خلال السباقات الانتخابية تستخدم الأحزاب شعارات غريبة لتمثلهم، والتي ربما لا نجد علاقة مباشرة بينها وبين طرح الحزب، لكن لا بد أن يكون هناك قصص وراء اختيار الشعارات المتداولة، ولعلّ من أكثر الشعارات لفتاً للأنظار هو الحمار الذي يعتمده الحزب الديمقراطي الأمريكي، والفيل الذي يمثّل الحزب الجمهوري.
تعود المنافسة بين الأحزاب الأمريكية لاسيما الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى قرابة قرنين، عندما بدأ اختلاف الساسة هناك حول قيام النظام الفيدرالي، ومنح الولايات الأخرى صلاحيات لمواجهة السلطة المركزية في واشنطن، فحدث انقسام واضح في موقف المعارضين للنظام الفيدرالي، ليقرر أندرو جاكسون تكوين حزب منفصل باسم الحزب الديمقراطي عام 1828، بينما تكوّن الحزب الجمهوري عام 1854 لتنحصر المنافسة بين هذين الحزبين في الولايات المتحدة.
وتظهر ملامح المنافسة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي منذ تأسيسهما بتوجيه التهم لبعضهم البعض، والسخرية من الشعارات الدعائية لكل حزب، خاصة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لذا اعتمد الحزبان في اختيار الشعارات الرسمية على رسومات فنان الكاريكاتير الأمريكي “توماس ناست” التي أبرزت نقاط القوى لدى كل حزب، بحسب مواقع إلكترونية.
فبدأت قصة الحمار مع الديمقراطيين سنة 1828 عندما اختار المرشح الديمقراطي لخوض سباق الرئاسة آنذاك “أندرو جاكسون” شعار “لنترك الشعب يحكم”، وسخر منافسه الجمهوري كثيراً من هذا الشعار، ووصفه بأنه “شعبوي ورخيص”.
فما كان من “جاكسون” إلّا أن اختار حماراً رمادي اللون وألصق على ظهره شعار حملته الانتخابية وقاده وسط القرى والمدن المجاورة لمسكنه من أجل الدعاية لبرنامجه الانتخابي “الشعبوي” ضد منافسه الذي كان يظهر على أنه “نخبوي” وليس قريباً من هموم الناس.
لم يتحوّل الحمار إلى رمز سياسي للحزب الديمقراطي بشكلٍ واسع النطاق سوى سنة 1870، عندما عمد رسام الكاريكاتير “توماس ناست” الذي كان يعمل لصالح مجلة “هاربر” الأسبوعية إلى اختيار حمار أسود اللون “عنيد” كرمز للحزب الديمقراطي يتبارز مع فيل جمهوري مذعور.
ومنذ ذلك الحين أصبح الديمقراطيون يفخرون بحمارهم، بل ويدللونه عبر تنظيم مسابقات لرسم أفضل “بورتريه” للحمار الديمقراطي، وإطلاق أفضل الشعارات السياسية التي يمكن أن ترافق صورته.
ظهر هذا جلياً في مؤتمر للديمقراطيين انعقد بمدينة “شارلوت” بولاية “نورث كارولينا”، إذ درت مبيعات القمصان والقبعات والنظارات الشمسية وعلاّقات المفاتيح وأقداح القهوة التي طبع عليها رسم الحمار الديمقراطي وهو في “مختلف الأوضاع”، مئات الآلاف من الدولارات، بحسب مواقع إلكترونية.
أما عن الفيل الجمهوري، وخلال الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 1860، كانت الولايات المتحدة عبارة عن شبه قارة مقسمة بين الشمال والجنوب بسبب اختلاف الآراء حول قضية تحرير العبيد، لكن “أبراهام لينكلن” قرر خوض غمار الانتخابات تلك السنة أملاً في توحيد البلاد أو التقليل من حدة الانقسام على أقل تقدير.
وظهر الفيل كشعار للحزب الجمهوري لأول مرة في دعاية سياسية مساندة لـ”لينكلن” في هذه الانتخابات التي فاز بها فعلاً، لكن الفيل لم يتحوّل إلى شعار سياسي للجمهوريين إلّا عام 1870 عندما قام “توماس ناست” بالتعبير عن تذمّره مما وصفه بخروج الحزب الجمهوري عن قيمه الليبرالية.
واختصر “ناست” الحزب في رسم كاريكاتوري لفيل ضخم مذعور يحطّم كل ما تطؤه قدماه كتب على جسمه عبارة “الصوت الجمهوري”، ومنذ ذلك الحين تحوّل الفيل إلى شعار للحزب الجمهوري.
وقال “ناست”، إنه اختار الفيل الضخم للدلالة على “كثرة المال لدى الجمهوريين إضافةً إلى صوتهم الانتخابي الوازن”.
ويحظى الفيل الجمهوري باهتمام إعلامي بالغ في كل مناسبة سياسية في الولايات المتحدة وعلى رأسها الانتخابات الرئاسية، ويعتني الجمهوريون كثيراً بتلوينه وتحديد معالمه الضخمة في اللافتات الإعلانية الخاصة بالحزب.
ويحرص الجمهوريون على ارتداء القبعات الضخمة المطبوع على مقدمتها صور الفيل الملوّن بالأحمر والأزرق خلال تجمعاتهم الخطابية، كما حصل خلال مؤتمر للحزب انعقد في مدينة “تامبا” بولاية فلوريدا، عندما هيمنت صور الفيل والأعلام الأمريكية على ما عداها من الصور في قاعة المؤتمر.
تلفزيون الخبر – أرشيف