اخبار العالم
من الحمضيات إلى الفواكه الاستوائية.. تحولات الزراعة في الساحل السوري

يعيش مزارعو الحمضيات في الساحل السوري على الهامش، وسط كل ما يحيط بهم من تهميش، ومع غياب الدعم وتفاقم الخسائر، تتساقط محاصيلهم في البساتين دون أن تجد من يجمعها، وتُترك الأشجار لمصيرها الجاف تحت شمس التغيرات المناخية والحكومية.
حكاية الحمضيات في مهب الريح
لسنوات طويلة، كانت الحمضيات عنوان الزراعة الساحلية السورية، وخاصة في اللاذقية وطرطوس، لكنها واجهت في السنوات الأخيرة تزامنا واندلاع الحرب وآثارها، انهياراً مهدداً للقطاع بأكمله، نتيجة أزمة تسويق خانقة، وتكاليف إنتاج باهظة، وتغيرات مناخية أثّرت في الإنتاج وجودته.
أزمة تسويق وتكاليف خانقة
أفادت تقارير صحفية أن أسعار الحمضيات منذ سنوات لا تغطي كلف إنتاجها، ما دفع مزارعين لترك المحصول دون جني، أو بيعه كعلف للمواشي، أو قطع الأشجار وبيعها حطباً للشتاء، في قرار متطرف واستبدالها بزراعات أخرى بعد سنوات تعب ضائع.
ويعاني هذا القطاع من غياب الدعم الحكومي، وانعدام شبكات التسويق الوطنية، مع شكاوي مكررة من غياب التدخل الحكومي الفعال رغم الوعود عاما بعد عام لتأمين أسواق خارجية أو شراء المحاصيل من المزارعين.
وتأتي مشكلات ارتفاع أسعار المبيدات والمحروقات والأسمدة، إضافة إلى مشاكل النقل والتخزين، لتزيد الطين بلة، وتؤدي إلى انسحاب تدريجي للمزارعين من الحمضيات، بعد يأسهم من إيجاد حل قريب لمعضلة “معمل العصائر” بعدما أعلنت مصادر حكومية عن “عدم جدوى إنشاء معمل عصائر حكومي جديد في الساحل السوري”، مبرّرة ذلك بأن “معظم إنتاج الحمضيات غير مناسب للعصر، بل مخصص للمائدة”.
هذا التبرير أثار استياء المزارعين، الذين يؤكدون أن جزءاً كبيراً من محاصيلهم يصلح للتصنيع، وأن غياب الدعم والتخطيط يفاقم معاناتهم، رابطين الأمر بانحياز حكومي مرتبط بفساد لترجيح الكفة التجارية لصالح معمل العصائر الخاص الوحيد الذي لا يزال يعمل حتى اليوم.
زراعات بديلة: خيار اضطراري
في مواجهة هذا الواقع، بدأ مزارعو الساحل بالتحول إلى زراعات بديلة، خصوصاً الفواكه الاستوائية مثل الأفوكادو والموز والمانغا والكاكاو.
وبحسب تقارير محلية، تُزرع هذه الأصناف في أراض كانت مخصصة للحمضيات سابقا، أضافة لتعزيز زراعات أخرى كزراعة النباتات العطرية.
تبدو هذه البدائل أكثر ربحية بشكل آني، بحسب مصادر محلية، لكنها تتطلب مستلزمات زراعية مختلفة، وتواجه تحديات تتعلق بنقص الخبرات برغم ما تحمله من وعود اقتصادية، وتؤكد المصادر أن غياب التخطيط يجعل هذه الزراعات مجازفة مفتوحة على خسائر جديدة.
التغير المناخي: محرك التحول الزراعي
تلعب التغيرات المناخية إلى جانب الفساد والواقع الاقتصادي والخدمي، دورا أساسيا في هذه التحولات التي تشهدها زراعات الساحل السوري.
وتشير تقارير إلى أن شرق المتوسط من أكثر المناطق تأثراً بالتغير المناخي، مع انخفاض متوقع في الهطولات المطرية بنسبة 20% وارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 4 درجات مئوية حتى 2050.
وتوضح تقارير دولية أن هذه التغيرات تؤثر على إنتاجية المحاصيل، وتزيد من الأمراض والآفات، وتغير دورات حياة النباتات، مما يضع الزراعة التقليدية في مواجهة الخطر.
بين الربح والمغامرة
في طرطوس تحديدا، حيث تنتشر بسرعة هذه التحولات الزراعية، يزداد التوسع في زراعة الفواكه الاستوائية، إضافة لتجارب تتوسع في زراعة الزعفران، نقلت وكالة “سانا” أن “أكثر من خمسين نوعا تُزرع حاليا في مبادرات فردية، إلا أن هذه الزراعة لا تزال تفتقر إلى بنية تحتية تسويقية أو إرشاد زراعي متخصص”.
وكما في الحمضيات، يبدو أن التحدي الأبرز في الفواكه الاستوائية هو التسويق حيث تغيب قنوات التصدير أو مختبرات لفحص الجودة، و آليات التصنيف المعيارية التي تؤهل المنتجات والمحاصيل للأسواق الخارجية.
وتشير المصادر إلى أن المزارعين يتحملون وحدهم أعباء الزراعة والتسويق، في ظل غياب أي دعم من وزارة الزراعة أو اتحاد الفلاحين أو وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أو التعاونيات الزراعية.
وتحذر الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي من أن استبدال الزراعة المحلية بأصناف دخيلة دون تخطيط، قد يهدد الأنواع النباتية والحيوانية المحلية، ويُضعف قدرة النظم البيئية على التكيف مع المناخ.
يذكر أنه وبالرغم من التحديات المناخية والاقتصادية وغياب الدعم واستمرار التعامي الحكومي، والتواطؤ المدفوع بالفساد، تفتح أزمة الزراعة في الساحل السوري باب نادر لاعادة الهيكلة نحو مسار مستدام. ويتطلب ذلك دعم المزارعين تدريبيا وماليا، وتقليل الاعتماد على الكيميائيات، وإدخال أصناف مقاومة للجفاف، وتعزيز الزراعة المختلطة والعضوية، وأن تأخذ الحكومة دورها الفعال قبل وقوع كارثة لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
فرح يوسف – تلفزيون الخبر