اخبار العالمالعناوين الرئيسية

دعوة ل”عودة بلا عقاب”.. اختبار النوايا في ظل التحولات السعودية

أكد رئيس أمن الدولة السعودي، عبد العزيز المهيريني، أن المملكة تدعو المعارضين في الخارج للعودة إلى وطنهم دون أن يتعرضوا لأي عقوبة، بشرط ألا تكون صدرت بحقهم أحكام في جرائم خطيرة مثل القتل أو الاعتداء الجسدي.

 

هذه الدعوة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تأتي في سياق التغييرات الجذرية التي تشهدها المملكة ضمن رؤية 2030، والتي تهدف إلى تحسين صورة السعودية عالميا، وتعزيز الاستقرار الداخلي عبر طي صفحة الماضي وفتح آفاق جديدة.

 

وأوضح “المهيريني في مقابلة صحفية بحسب “بي بي سي” أن الدعوة مفتوحة لكل من “غُرِّر به” أو تَعرَّض للاستغلال، مشددا على أن الراغبين بالعودة يمكنهم التواصل مع السفارات السعودية أو الجهات المختصة. لكن رغم الطابع التصالحي للدعوة، فإن المعارضة لم تتلقَّها بالترحيب، معتبرة أنها تفتقر إلى الضمانات الفعلية.

 

المعارضة تطالب بخطوات ملموسة

 

قوبلت الدعوة بتشكيك واسع في أوساط المعارضة السعودية بالخارج، وقالت الناشطة الحقوقية فوز العتيبي بأن الدعوة تظل رمزية ما لم تترجم إلى خطوات عملية، كالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإنهاء حملات التضييق، ولفتت إلى أن شقيقتها “مناهل” لا تزال رهن الاعتقال القسري منذ أشهر، في وقت تعيش عائلتها في حالة خوف دائم.

 

الناشط والكاتب السعودي عادل السعيد اعتبر الدعوة “تضليلا إعلاميا”، متسائلا: “كيف يمكن للسلطات أن تطلب عودة المعارضين فيما تواصل تنفيذ أحكام الإعدام؟”.

 

وأضاف أن أي محاولة لتلميع الصورة الخارجية للمملكة يجب أن تبدأ بإصلاحات هيكلية، تشمل الإفراج عن المعتقلين وإلغاء الأحكام المشددة بسبب تعبير الأفراد عن آرائهم.

 

محاولة لتغيير الصورة الذهنية

 

في السنوات الأخيرة، اتخذت السعودية خطوات واسعة نحو الانفتاح، شملت تخفيف القيود الاجتماعية، تعزيز حقوق المرأة، والانخراط في مشاريع تنموية كبرى. هذه التحولات، وإن كانت حقيقية، إلا أنها تصطدم أحيانا بسجل حقوق الإنسان، وهو ما دفع السلطات إلى محاولة الموازنة بين الإصلاح الداخلي وإعادة بناء الثقة الدولية.

 

الباحث في العلاقات الدولية، د. أحمد الشهري، أشار أن دعوة العودة تُعد امتدادا لسياسة “الاحتواء الوطني”، حيث استقبلت المملكة في السابق أفرادا تورطوا في أعمال عنف، وأعيد تأهيلهم في مراكز متخصصة.

 

ويرى “الشهري” أن السعودية تحاول تفكيك “المعارضة بالخارج” لتقليل الضغوط الحقوقية، لكن نجاح هذه الاستراتيجية مرتبط بمدى جديتها في إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

 

سياقات دولية وإعادة التموضع الإقليمي

 

الدعوة تأتي أيضا في ظل سعي السعودية لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية منفتحة على العالم، خاصة بعد استئناف العلاقات مع إيران وتنامي دور المملكة في الوساطات الدولية. هذه التحولات تهدف إلى ترسيخ السعودية كدولة حديثة قادرة على استيعاب التنوع الداخلي، بما يعكس توجها جديدا نحو تسوية الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف المعارضة.

 

تزامنا مع هذه التحولات، شاركت رئيسة هيئة حقوق الإنسان السعودية، هالة التويجري، في الدورة الـ58 لمجلس حقوق الإنسان بجنيف، حيث أكدت أن المملكة ملتزمة بإصلاحات شاملة، ما يعكس رغبة السعودية في تقديم نفسها كدولة في طور التغيير، لكن يبقى الحكم النهائي مرهونا بمدى اتساق الخطاب الرسمي مع الواقع على الأرض.

 

خطوة إلى الأمام أم مجرد مناورة؟

 

بين الدعوة لعودة المعارضين ومحاولات تحسين الصورة الدولية، تبدو السعودية أمام اختبار صعب، إذ أن نجاح هذه الاستراتيجية يعتمد على بناء مصالحة داخلية حقيقية، تبدأ بإجراءات ملموسة لتعزيز الحريات السياسية ورفع القيود عن الناشطين. في المقابل، قد تشكل هذه الدعوة، إن لحقها إصلاحات حقيقية، نقطة تحول تعيد رسم العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الانفتاح السياسي والاجتماعي.

 

ليبقى السؤال مفتوحاً هل تشهد السعودية قفزة نوعية نحو المصالحة الوطنية أم أن الدعوة للعودة بلا عقاب ستظل عنوانا دون مضمون؟

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى