العناوين الرئيسيةمجتمع

كيف يرى شباب سوريا ما تفعله “إسرائيل” في جنوب البلاد؟

لا يكاد يمضي يوم خلال الأسابيع الأخيرة دون تسجيل اعتداء “إسرائيلي” جديد على سوريا، أو بأحسن الأحوال قيام أذنابها في الداخل بمحاولة إيهام الرأي العام بوجود حاضنة موالية للاحتلال ضمن البلاد.

 

آخر ما حُرر هو قيام مجهولين ليل الاثنين/الثلاثاء برفع علم الكيان على دوّار العنقود عند مدخل السويداء الشمالي، الأمر الذي أثار غضباً شعبياً في السويداء ما دفع الأهالي للتظاهر عند الدوّار وإنزال العلم وإحراقه.

 

وفي أطول مسافة توغل “إسرائيلية” ضمن الأراضي السورية منذ 1973 وصلت قوات الاحتلال، مساء الاثنين، إلى السرية العسكرية السابقة في قرية “تل المال” التي تقع بين محافظتي درعا والقنيطرة، إذ قامت بعمليات تجريف وتخريب دون أنباء عن انسحابها حتّى تاريخه.

 

وجاء التوغل بعد ساعات من دفع الاحتلال بآليات عسكرية ثقيلة إلى قرية “مسحرة” بريف القنيطرة التي قطعت الطريق بينها وبين قرية “الطيحة”، ما أدى لعزل المنطقة وذلك بالتوازي مع قصف جوي استهدف موقعاً عسكرياً في طرطوس.

 

يؤكد الصحفي وهاج عزام، ابن مدينة السويداء، والمقيم في أوروبا حالياً لتلفزيون الخبر “لم يطلب الدروز حماية من أحد، وهذا لا يعني أن لديهم قدرات خارقة لحمايتهم، وإنّما لديهم ما يجمعهم عند الشدائد أكثر مما يفرقهم، ويستطيعون الوقوف أمام التهديدات التي لا يتمنى أيّ منهم أن تكون تهديدات من أبناء البلد الواحد، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، وإنما تستدعيه وتحاول إسرائيل خلقه”.

وأضاف “عزام” أن أكبر خطأ قد يرتكبه الموحدون الدروز الآن هو فتح المجال للأصوات القادمة من الخارج والتي تقول لهم: “افعلوا ما شئتم.. هناك من يدافع عنكم”.

 

ويرى الصحفي أن هذه “توريطة كبيرة” لا يحمد عقباها، لأن القوى الاستعمارية لم تهتم يوماً لمصلحة أقلية أو طائفة، بل تستدعي الفتنة عبر دعم مجموعة ما على حساب أخرى، وصولاً لاقتتال داخلي، وأهل الجبل أوعى وأعقل.

 

ونوّه “عزام” إلى أنه “حتى الآن القيادات الدرزية العسكرية والروحية تتصرف بوعي ونضج عالي، تقول: نحن قلنا كلمتنا، لا نرضى بالتقسيم، سوريا وطننا وليس لدينا وطن بديل، ولا نريد وصاية أحد من الخارج.. الأمر عند الشرع وإدارته هي التي يجب أن ترد، فالمسألة سوريّة عامة وليست درزية”.

 

وأردف “عزام” أن “تحركات الاحتلال في الجنوب السوري كانت متوقعة منذ فترة الحرب مع لبنان، إذ كانت هناك تحشيدات وكانت الآليات تقوم ببدء إقامة ما بات الآن يشبه منطقة عازلة، وحينها لم يصدر أي تعليق من قبل نظام الأسد، وتوجّه إلى الشمال حيث كان من المتوقع أيضاً هجوم هيئة تحرير الشام التي كانت تتحدث عن عمل عسكري وعن دخول حلب”.

 

والأهداف الكبيرة التي يضعها الاحتلال وفق “عزام” معروفة منذ زمن من خلال تصريحات المتطرفين في حكومته، واتضحت أكثر منذ ألقى “نتنياهو” كلمته في الولايات المتحدة، أعلن عن خريطة للشرق الأوسط الجديد، يريد أن تكون حدوده مع “دول الطوق” منزوعة السلاح دون أي تهديد لأمن “إسرائيل”، بدأها منذ السابع من تشرين الأول وهو مستمر فيها الآن.

 

وعن الرد الرسمي يقول “عزام” إنه “غائب، ولن تستطيع إدارة الشرع القيام بغير الصمت لأنها لا تمتلك أي عنصر قوة يجعلها تجابه الاحتلال أو تمنعه أو تظهر العداء له، فهي حتى الآن لم تحصل على الدعم الدولي أو الشرعية الدولية المطلوبة، ولم تُرفع عنها العقوبات الأمريكية ولم تستقر داخلياً، ناهيك عن أنها سلطة بلا جيش”.

 

رد الفعل الشعبي بحسب “عزام” حصل منذ اليوم الأول للتصريحات، خرج الناس في مختلف المحافظات وعبّروا عن رفضهم وغضبهم من التصريحات، الأهالي في القنيطرة قالوا إنهم لن يكرروا سيناريو الـ67 ولن يغادروا أرضهم مهما كان الثمن، وكذلك فعل أهالي درعا والسويداء.

 

ورأت الناشطة المدنية حنين أحمد خلال حديثها لتلفزيون الخبر أن “إسرائيل لا زالت تستغل ضعف الدول للتدخل فيها، وسوريا اليوم دولة ضعيفة ومنهكة تماماً، محاصرة بتهديدات التقسيم والشرعية وسنوات طويلة من الاستبداد وانهيار المؤسسات وضعف المشاركة”.

وتابعت “أحمد” أن “هذه بيئة خصبة للعدو للتدخل وتحقيق انتصارات مجانية علينا عبر تصريحات تعتبر تدخل مباشر بالشؤون الداخلية السورية، وهذا ليس غريباً على العدو، أما بالنسبة لمسؤولية الرد فأنا أحمّل الدولة السورية كامل المسؤولية بالرد لأن الجنوب سوري وجزء من وطننا ومن مسؤولية دولتنا فقط الرد على الاحتلال واطماعه، وعدم ردها هو تهديد حقيقي لوحدة سوريا وانتماء الجميع لها”.

 

بدوره يوضح الناشط السياسي جعفر خضور لتلفزيون الخبر أن مصلحة “إسرائيل” في سوريا في ظل تشكل خرائط نفوذ القوى، باتت أكثر وضوحاً، وفي هذا السياق يأتي تعهّد “تل أبيب” بحماية الدروز على خلفية السيولة الأمنية غير المنضبطة في الداخل السوري.

ولم تُخفِ “إسرائيل” محاولات عملها على تفكيك سوريا وتقسيمها عبر العزف على وتر الأقليات ومظلوميتها، وفق “خضور”.

 

وتابع “خضور” أنه “بتقديري تأتي تصريحات الاحتلال اليوم لتتجاوز مجرد مخاوف أمنية، بل يبدو أن السُعار الصهيوني يعمل ليترجم السلوك العسكري عبر احتلال ما بعد المنطقة العازلة، واتباع عقيدة حربية جديدة، في الواقع السياسي، إذ أن التلميح بتمرير خطة الانقسام والتقسيم تعكس رغبة الاحتلال في صياغة المشهد السياسي السوري وإبقاء سوريا ضعيفة غير موحدة وغير مستقرة”.

 

وأكمل “خضور” أن “تغيّر طبيعة النشاط الصهيوني، في جنوبي سوريا، بات واضحاً أن هدفها فرض حالة أمر واقع تدفع بالأهالي للقَبول بها، عبر استغلال بعض الأوضاع المادية وحتى الأمنية فيها تكريساً لواقع تقسيمي بامتياز وترجمة لسياسة الاحتلال الجديدة بعد حرب غزة الأخيرة على جبهات فلسطين وسوريا ولبنان عبر خط دفاع قوي داخل إسرائيل على حدود كل منطقة، من خلال إقامة حزام أمني على طول الحدود داخل كل الدول المجاورة، وفرض منطقة نزع سلاح عميقة”.

 

وبخصوص الرد الشعبي يرى “خضور” أننا “بحاجة لوعي جمعيّ يرفض الاحتلال، واعتقد أن التجربة سانحة لذلك، فتجربة حرب غزة لم تبرُد بعد، وأدركت الشعوب خطورة وجود الاحتلال وسياسة إسرائيل في الميل الأصيل نحو التوسّع في أراضي الدول العربية، لذلك شعبياً فجلّ ما يمكن فعله في الوقت الحاضر مع تضرر مقدرات ومقومات القوة العسكرية هو تشكيل حالة سياسية واجتماعية واعية رافضة للاحتلال والتقسيم الكياني للمجتمع السوري”.

 

ومن الزاوية الرسمية يعتقد “خضور” خلال حديثه “يجب أن يكون الموقف السوري أكثر وضوحاً من مسألة الاحتلال، إن ردة الفعل الرسمية من الإدارة السورية وإن تأخرت لكن من الضروري أن تكون موجودة، إلا أنها ستقتصر على الرد الدبلوماسي فقط، والعمل على تحقيق ضغوط دولية تحد من التوغل المتزايد للكيان ولكن لن تؤدّي لانسحابه، قبل أن تتم موازنة عوامل القوى المتنافسة على الأرض السورية والتي من شأنها فرض معادلة توازن في السياسة الخارجية السورية مع هذه القوى”.

 

وختم “خضور” أنه “هذا قرار استراتيجي لن تملكه الإدارة الحالية قبل وضع دستور وتشكيل حكومة، تسمح لها بإعطاء موقف أكثر وضوحاً وقرباً من توقعات السوريين، للخروج من مرحلة إيداع رسائل الطمأنة عبر الوسطاء بالوسائل الدبلوماسية”.

 

يذكر أن الاحتلال قام منذ سقوط نظام “الأسد” باستهداف كامل البنية العسكرية للجيش السوري السابق عدا عن قيامه باحتلال مساحات واسعة من الجنوب السوري مع تصريحات لـ”نتنياهو” بضرورة فرض منطقة منزوعة السلاح جنوباً متذرعاً بحماية أبناء الطائفة الدرزية في السويداء بهدف إثارة النعرات الطائفية في سوريا، الأمر الذي رفضه جميع السوريين وعلى رأسهم أهالي السويداء.

 

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى