العناوين الرئيسيةمجتمع

في صدفة لم تحمل جديداً .. مسلمون ومسيحيون يتشاركون زمن الصوم ومبادرات مجتمعية تجسّد أعمال المحبّة

يتزامن شهر رمضان المبارك هذا العام مع الصوم الأربعيني المقدّس، في مصادفة للتقويمَين الميلاديّ والهجريّ، تجمع السوريين بطقوس اعتادوا أن يتشاركوها.

 

وبدأ، الاثنين، الصوم الأربعيني الكبير، حسب التقويم الميلاديّ للطوائف الغربية والشرقية، بفارق يومين عن بدء شهر رمضان المبارك.

 

ورغم اختلاف آلية الصيام المسيحي والإسلامي إلا أن جوهر الصوم واحد في الأديان السماوية، وهدفه التقرّب من الله بشتّى السبل.

 

ويشترك المسلمون والمسيحيون في الانقطاع عن الطعام والامتناع عن تناول بعض المأكولات، فيما يشتركون أيضاً بصلوات التراويح والمدائح خلال فترة الصيام.

 

ويقول نيافة المطران مار بطرس قسّيس، متروبوليت حلب وتوابعها للسريان الأرثوذكس، استناداً إلى دراساته المعمّقة في علم الاجتماع الديني، متحدثاً لتلفزيون الخبر، إنّ: “جوهر الصوم المشترك عند الأديان السماوية هو قمع الجسد حتى تسمو الروح، أي تدريب الجسد على منع نفسه من حاجات معينة مثل الأطعمة اللذيذة حيوانية أو غير حيوانية”.

 

وأوضح المطران “قسّيس” أنّ: “الهدف من الصوم هو أن يشعر الإنسان باحتياجه لله لتسمو الروح، ويشعر بالآخر المحتاج”.

 

ويرى “قسّيس” أنّ: “الامتناع عن الطعام يمثّل جرس الإنذار، ليتنبّه الإنسان إلى علاقته مع الله والقريب ومع ذاته، بينما الجوهر الروحي للصيام هو العمق الذي تمنحه الأديان”.

 

وذكر نيافة المطران، مار بطرس قسّيس، في حديثه لتلفزيون الخبر أنّ: “تزامن الصوم المسيحي مع الإسلامي هذا العام هو مصادفة مميزة، إذ يصوم كل المجتمع السوري بكل أطيافه، ويترافق ذلك بصلواتنا لوطننا سوريا على نية الأمن والسلام”.

 

ويشترك الصوم المسيحي والإسلامي بتأكيده على أعمال المحبة والرحمة المتمثّلة بالصدقة ومشاركة الآخر.

 

وفي هذا السياق يقول المطران “قسّيس”: “لا يكفي أن نصوم عن الطعام ونغفل أعيننا عن الناس المحتاجين الذين ربما لا يملكون ثمن الطعام أو الخبز، علينا مساعدتهم وتقديم العون لهم، لأن جزء من علاقتنا مع الله هي علاقتنا مع الآخر، وهو ما يفرضه علينا شهر الصوم من أعمال خير ورحمة وزكاة”.

 

وأضاف “قسّيس” في حديثه لتلفزيون الخبر: “بعيداً عن مصادفة تزامن الصوم، فإن المسيحيين اعتادوا احترام طقوس المسلمين خلال شهر رمضان، وكثيرٍ منهم لا يُظهر علامات الفطور خلال أوقات الانقطاع، احتراماً للتضحية التي يقدّمها المسلم لله”.

 

وتتحول مشاركة الآخر من منطلق ديني إلى حالة مجتمعية محبّبة لدى كثير من السوريين تتجسّد بتبادل الأطعمة، لا سيما بين الجوار.

 

“عبير أم يزن” (47 عاماً)، قالت في حديثها لتلفزيون الخبر إنّها: “تتشارك مع جارتها أم جورج بعض المأكولات خلال شهر رمضان مثل سكبة الكبة الصياميّة التي تقدّمها لها أم جورج، لتردّها لها بصحن نباتي مُعدّ من الخبيزة والهندباء”.

 

وتقول “عبير” إنّ: “ما يميّز شهر رمضان المبارك هو الجوّ العائلي والإلفة والمحبة، لذلك نحرص على دعوة جيراننا إلى الإفطار ونعدّ لهم أطباق نباتية مناسبة لصيامهم ويبادلوننا بالمثل خلال الشهر”.

 

وتنطلق أعمال المحبّة خلال الشهر المبارك من العائلة، بوصفها نواة المجتمع، لتصل إلى شرائح أوسع.

 

هذا ما تسعى إليه مؤسسة “شهيق زفير” التي تضم متطوعين من المصابين بمتلازمة “داون”.

 

ويوزّع متطوعو مؤسسة “شهيق زفير” مأكولات تشمل التمر والمعروك والمياه، قبيل الإفطار، في عدد من النقاط ضمن مدينة حلب، حسب ما أوضح رئيس مجلس أمناء المؤسسة، منتصر كيالي، متحدثاً لتلفزيون الخبر.

 

وقال “كيالي”: “بما أن أطفال متلازمة داون دائماً ما يعطون الحب والشعور الجميل للناس، أحببنا أن نترجم ذلك بتوزيع 1000 وجبة إفطار خلال شهر رمضان المبارك، بعد تنسيقنا مع مكتب حلب لتنسيق العمل الإنساني HAC، وهي عبارة عن وجبة خفيفة كمبادرة مودّة للصائمين وهم في طريقهم للإفطار”.

 

وأوضح “كيالي” أنّ: “المبادرة ستكون يومي الاثنين والخميس خلال الشهر الفضيل في عدّة نقاط ضمن مدينة حلب كجامع الروضة، جامع العباس، جامع التوحيد، الجامع الكبير، وساحة العزيزية، بالإضافة إلى مشفى الجامعة، مشفى الرازي وزاهي أزرق”.

 

وتمرّ الأيام الأولى للصوم المبارك بطقوسه وأجوائه المختلفة عند المسلمين والمسيحيين، في الوقت الذي ينتظر فيه كثير من السوريين حلّاً ما أو ربما معجزة تنهض بهم من الضائقة الاقتصادية التي يواجهونها.

 

بشار الصارم – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى