العناوين الرئيسيةموجوعين

نهب الآثار والذهب مستمر.. ظاهرة التنقيب غير القانوني تتفاقم في سوريا بعد سقوط النظام

في ظل الفوضى الأمنية والصعوبات الاقتصادية التي تعيشها سوريا، وتزامناً مع سقوط نظام الأسد، ازدادت بشكلٍ لافت ظاهرة التنقيب غير القانوني عن الآثار والذهب في مختلف مناطق البلاد، والتي تترك آثاراً سلبية كبيرة على التراث الثقافي السوري، إضافةً للأضرار البيئية والاجتماعية، ما دفع ناشطون لمطالبة الإدارة الجديدة باتخاذ إجراءات رادعة.

 

وتفاقمت ظاهرة سرقة وتهريب الآثار والتنقيب غير القانوني بشكلٍ كبير عقب سقوط النظام في 8 كانون الأول 2024، نتيجة للتفلت الأمني وغياب الرقابة الحكومية، الأمر الذي بات يتطلّب جهوداً دولية ومحليّة مكثفة لاستعادة القطع الأثرية المهربة وحماية ما تبقى من التراث السوري.

 

ونشر عدد كبير من السوريين من مناطق مختلفة، مثل حلب، درعا، حمص، وطرطوس، منشورات على منصّات التواصل الاجتماعي يشتكون فيها من تعرّض أراضيهم لعمليات تنقيب غير قانونية، أفادوا بأنهم “فوجئوا بحفر كبيرة وعميقة في أراضيهم الزراعيّة، ما ألحق أضراراً كبيرة بالممتلكات والتربة”، مناشدين السلطات الجديدة لـ”اتخاذ ما يلزم”.

 

إعلانات ترويجيّة لمعدات التنقيب

 

في سياق متصل، انتشرت بشكلٍ كبير عبر صفحات الإعلانات على “فيسبوك” وغيرها من المنصّات، إعلانات تروّج لأجهزة ومعدات مخصصة للكشف عن المعادن والآثار لزوم عمليات التنقيب.

 

وتستهدف هذه الإعلانات بشكلٍ واضح الأشخاص الذين يسعون للتنقيب عن الآثار أو الذهب، ممّا يشير إلى وجود سوق سوداء نشطة لهذه المعدات.

 

الوضع الأمني وتأثيره على الأهالي

 

ويُعاني الأهالي وخاصةً في المناطق الريفية من تردّي الوضع الأمني، إذ تشهد مناطقهم عمليات خطف وقتل، على خلفية السرقة أو الانتقام أو إثارة النعرات وتهديد السلم الأهلي.

 

ونتيجة لذلك، يتجنّب العديد من المزارعين زيارة أراضيهم، خاصةً تلك البعيدة عن مراكز القرى والبلدات، إلّا في حالات الضرورة القصوى، ما يجعلها عرضة لعمليات التنقيب غير الشرعية، إذ يستغل كثيرون غياب الرقابة لتنفيذ عملياتهم.

 

ماذا عن ممارسات ما قبل السقوط؟

 

قبل سقوط النظام السابق، أشارت تقارير عدة إلى “قيام نظام الأسد بممارسات مشابهة، لكنها أكثر تنظيماً، إذ تم تسجيل حالات تنقيب غير قانوني عن الآثار بموافقة أو بتغاض من السلطات، آنذاك”.

 

وأشارت تقارير أُخرى إلى “تورّط مختلف جهات الصراع في سوريا بعمليات تنقيب وتهريب للآثار، قد يكون أبرزها، منبر الجامع الأموي في حلب وكنيسة أم الزنار”.

 

ووفقاً لتقارير حقوقية ومراقبين، كان نظام الأسد “يستفيد بدوره من عمليات مشابهة بشكلٍ غير مباشر عبر شبكات فاسدة مرتبطة ببعض أجهزة الأمن، ما أدّى إلى تهريب العديد من القطع الأثرية خارج البلاد”، علماً أن هذه الممارسات كانت تتم تحت غطاء “الترخيص الرسمي” أو عبر وسطاء يعملون لصالح النظام.

 

سرقة وتهريب الآثار في سوريا ليست ظاهرة جديدة، لكنها لحظت بشكلٍ كبير بعد عام 2011، بسبب انهيار الأمن وفراغ السلطة في العديد من المناطق، ومع ذلك، كانت هناك حالات بارزة لسرقة الآثار حتّى قبل ذلك التاريخ، سواء بموافقة أو بتغاض من سلطات النظام السابق، وتصدير القطع الأثرية إلى خارج البلاد، خاصة إلى أوروبا وتركيا، إذ تُباع في السوق السوداء.

 

في عام 2010، مثلاً، تم الكشف عن شبكة تهريب آثار في منطقة تدمر، إذ تم تهريب قطع أثرية نادرة إلى لبنان عبر وسطاء مرتبطين بأفراد في جهاز الأمن السوري السابق.

 

كما تم تدمير العديد من المواقع الأثرية تحت ذريعة “التنمية”، إضافةً إلى تدمير أجزاء من مدينة “ماري” الأثرية في شرق سوريا لصالح مشاريع زراعيّة، دون إجراء دراسات أثرية كافية.

 

وتعرّضت العديد من المواقع الأثرية السورية، خلال سنوات الحرب، والمسجّلة على قائمة “اليونسكو” للتراث العالمي، للتدمير والنهب، مثل تدمر، حلب القديمة، وقلعة الحصن.

 

وانتشرت عمليات التنقيب غير القانوني بشكلٍ كبير في مناطق مثل إدلب، حلب، والرقة، إذ تم نهب آلاف القطع الأثرية من مواقع مثل “أفاميا” و “دورا أوروبوس”.

 

ووفق تقارير يتم تهريب الآثار المنهوبة عبر الحدود السوريّة إلى تركيا ولبنان والأردن، ومن ثم إلى أوروبا وآسيا، وتم ضبط العديد من القطع الأثرية السورية في مطارات إسطنبول وبيروت وعمّان.

 

جهود محلية ودولية سابقة لمواجهة “الكارثة”

 

عملت منظمة “اليونسكو” على توثيق الأضرار التي لحقت بالمواقع الأثرية السورية، وحثّت المجتمع الدولي على منع تداول القطع الأثرية السوريّة في الأسواق العالمية.

 

وقام “الإنتربول” بإصدار قوائم سوداء للقطع الأثرية السورية المفقودة، وساهمت هذه الجهود في ضبط العديد من القطع الأثرية المهربة في أوروبا والشرق الأوسط.

 

وحاول بعض الأهالي والناشطين السوريين حماية المواقع الأثرية في مناطقهم، لكنهم واجهوا صعوبات كبيرة بسبب انعدام الأمن.

 

وتعدّ سرقة وتهريب الآثار في سوريا واحدة من أبرز الجرائم التي ارتكبت خلال سنوات الحرب، إذ تم نهب تراث ثقافي يعود إلى آلاف السنوات.

 

القانون السوري والعقوبات

 

وبحسب قانون العقوبات السوري الحالي، يعتبر التنقيب غير القانوني عن الآثار جريمة يعاقب عليها بالسجن والغرامات المالية، وتنص المادة 741 من قانون العقوبات على أن “كل من قام بالتنقيب عن الآثار دون ترخيص يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية”.

 

ومع ذلك، فإن إمكانية تطبيق هذه القوانين أصبحت شبه معدومة في ظل غياب المؤسسات الحكومية وتعطيل العمل بالدستور.

 

ويطالب الأهالي بتكثيف دوريات الأمن العام، خاصةً في المناطق الأثرية ومحيطها ليلاً، لمنع عمليات التنقيب غير القانونية، كما يطالبون بإنشاء فرق خاصة تابعة لوزارة الثقافة أو الجهات المعنية بحماية الآثار، تكون قادرة على مراقبة المواقع الأثرية وملاحقة العصابات والأشخاص الذين يقومون بهذه الممارسات.

 

يُذكر أن ظاهرة التنقيب غير القانونية عن الآثار والذهب في سوريا تعدّ واحدة من الظواهر الكارثية، والتي لا تهدد التراث الثقافي السوري فحسب، بل تزيد من معاناة الأهالي الذين يعيشون في خوف دائم على أراضيهم وممتلكاتهم، ما يتطلّب تدخلاً عاجلاً من الجهات المعنية لإنقاذ ما تبقى من التراث السوري وحماية حقوق المواطنين.

 

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى