حياة جبران خليل جبران…في ذكرى وفاته
“الأجنحة المتكسرة”، و”الأرواح المتمردة”، و”رمل وزبد” و”العواصف”، و”مناجاة أرواح”، و”المواكب”، و”المجنون”، و”النبي”، و”دمعة وابتسامة”، والكثير من مؤلفات الأدب الرمزي الذي اتخذ من المهجر منطلقاً له.
ولد جبران في لبنان عام 1883م لأبٍ وأم فقراء، كان الأب لا يعبأُ بمسؤولية أولاده فأخذتهم الأم وسافرت إلى بوسطن بالولايات المتحدة بعد أن حُكِمَ على أبيه في قضية اختلاس أموال للابتعاد عن لبنان ولتوفير دخل يساعد الأسرة.
وكانَ الفقر والألم اللذين شهدتهما حياة جبران أحد أهم المؤثرات التي أثرت في أدبه وكتاباته بل في لوحاته وشعره، وتنقل جبران بين أمريكا ولبنان وسافر إلى فرنسا لدراسة الفنّ.
وكانت أكثر مآسي حياته سنة 1903 حين مات أخوه الأكبر بطرس بالسلّ، وسرعان ما اختطف المرض نفسه أمه وأخته الصغرى التي كان يحبها كثيرًا.
وأصبح جبران مسؤولاً عن تدبير المصروفات المنزلية لأخته الأخيرة، إلا أنه لم يكن يعبأ بهذا أبدًا، فقد كان يعبأ أكثر من أي شيء بالقراءة والكتابة.
وأسس جبران مع بعض شعراء المهجر “الرابطة القلمية” في العام 1920 وترأسها، ولكنها سرعان ما تفككت بموته، ومثّل جبران حالة الاغتراب كما يعيشها المُهاجر، حالة اغتراب المهاجر المحتل وطنه والذي “لا تنتجُ أمته خبزها بيدها”، على حد تعبيره.
وكان جبران متمردًا على واقعه البائس وواقع أمته في نهايات الدولة العثمانية، وقد نال قلمه من الدولة العثمانية كثيراً، إلا أن هذا التمرد ليس فقط متولداً من أسباب خارجية بسبب ضعف أمته فقط وإنما منه هو المتمرد علي سلطة رجال الدين وشرائعه.
وظهر هذا التمرد في كتاباته وعناوين كتبه، فقد كتب كتاباً يحمل عنوان “الأرواح المتمردة” ثم قاده تمرده إلى مرحلة حيرة ليكتب كتابه “التائه” وكتاب “المجنون”، كما أن أحد مؤلفاته يحمل اسم “العواصف”.
واهتز قلم جبران بالحبّ وللحب، وبعض الدارسين يلخص حياة جبران في الحبّ، إلا أن الحبّ عند جبران اتخذ منحىً آخر، فكانت له علاقات عديدة بنساء كثيرات، و أشهر هذه النساء، ماري هاسكل ومي زيادة.
واستطاع جبران تكريس ذاته لفنه وكتاباته، حيث تكفلت “ماري” بمصروفاته المالية هو وأخته، كما تكفلت بسفره إلى باريس لمدة سنتين لتعلم الرسم، وكاعترافٍ بالجميل أهدى جبران كتابه “الأجنحة المتكسرة” إلى ماري.
وكتب جبران عدة رسائل أدبية لماري، واكتملت علاقة جبران بماري باتجاه علاقة غرامية، لكن ماري من جهّتها تراجعت إذ خافت على سمعتها داخل المجتمع، ويرجع بعض الباحثين موقفها إلى وجود سيدات أخريات في حياة جبران.
وكانت مي قرأت مقالاً لجبران في العام 1912 فهامت به وراسلته، وبادلها جبران الرسائل والحبّ، المختلف في هذه العلاقة أنه لم يطلب أحدٌ من الآخر الزواج؛ بل إنه كان في المهجر وهي بمصر واستمرت مراسلتهما حتى وفاة جبران بالسلّ في أبريل 1931.
وكان جبران يرى أنّ العالم لوحة فنية كبيرة، و لم ير في الموت، الذي كان أكثر الأشياء بؤساً في حياته والذي اختطف منه ثلاثة من أفراد عائلته خلال شهور، إلا بدايةً لحياة أخرى جميلة خالدة.
وكتب جبران روائع الأدب الرمزي، بالعربية والإنجليزية معاً، وترك مايزيد على الخمسة عشر مؤلفاً، وتُرجِم كتابه “النبيّ” إلى أكثر من أربعين لغة حية، واختارته الصين في العام 2013 أكثر الأدباء العرب شهرة في الصين، ويُذكر أن في الصين وحدها أكثر من 70 أطروحة أكاديمية تتناول أعمال جبران بالنقد الأدبي والتحليل.
وغنى الكثير من الفنانين من قصائده، حيث استخدم المغني جون لينون مقطعاً من قصيدته “رمل وزبد”، “نصف ما أقوله لك لا معنى له، غير أني اقوله لعل النصف الآخر يبلغك “، وأفرد الفنان الأمريكي اللبناني جبريل عبد النور لقصائد جبران ألبوماً كاملاً.
وغنت فيروز قصيدته المواكب باسم “أعطني الناي وغني”، وغنت له مقاطع كاملة من كتاب النبي بالإضافة لقصيدة الأرض والتي مطلعها “سفينتي بانتظاري”، وأخيراً غنت له قصيدة “يا بني أمي”، حيث تعتبر فيروز أكثر من تغنى بقصائد جبران.
وتوفي جبران خليل جبران في نيويورك في 10 نيسان 1931وهو في الـ 48 من عمره، وكان سبب الوفاة هو تليف الكبد والسل، وكانت أمنية جبران أن يُدفن في لبنان، وقد تحققت له ذلك في 1932. دُفن جبران في صومعته القديمة في لبنان، فيما عُرف لاحقًا باسم متحف جبران.
وأوصى جبران أن تكتب على قبره عبارة ” أنا حي مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك، فاغمض عينيك والتفت، تراني