موجوعين

شتاء دمشق وجع يسرق أمان المشردين

حل شتاء هذا العام متأخرا حاملا معه هطولات مطرية غير معهودة, مكرسا معاناة المهجرين و معظم ويلات المشردين.

وصار من الطبيعي في السنوات الأخيرة وانت تمشي في شوارع دمشق أن ترى طفلا ينام على الرصيف متخذا من عتبات المحال التجارية وسادة لرأسه الذي أضناه التعب.

فمنذ بدأت الحرب تجتاح ريف دمشق و المحافظات المجاورة لها اجبر عدد كبير من النازحين باتخاذ الحدائق العامة و الارصفة مأوى لهم و لأطفالهم .

و اليوم بعد مرور ست سنوات على الحرب ما زال عشرات العائلات يقطنون في الحدائق مثل ” الزاهرة , المرجة , الصوفانية ” , و يقتاتون على بقايا الطعام و على صدقات المارة.

واتخذ البعض منهم من التسول منهة لكسب بعضا من المال ما يعينه على البقاء على قيد الحياة في الوقت الذي يمتهنه البعض منذ عشرات السنين كمهنة دائمة له .

أم علي , نازحة من ريف حمص الشمالي , هربت من منزلها حاملة معها اربع اطفال أكبرهم لم يبلغ السابعة, قالت لمراسل الخبر في دمشق أنها تعمل في بيع المناديل و البسكويت منذ عامين.

أم علي، تفترش الارض رفقة اطفالها تارة بالقرب من وكالة “سانا” و تارة اخرى في الجسر الابيض, و عند سؤالها عن تحضيراتها للشتاء تقول وهي تشير الى اطفالها و الدمعة تخنق كلامها..

“أنا مسؤولة عن كوم اللحم هذا, فوالدهم منذ اربع سنوات لا نعرف عنه شيء , و ليس لنا أي معيل في هذه العاصمة القاسية، و لا يوجد اي تحضيرات استطيع القيام بها الا الدعاء لله لكي يتلطف بأبنائي”.

وتتابع أم علي “فاصغرهم كاد مطر السنة الماضية ان ينتزعه من الحياة, عندما اجتاحت المياه أمتعنا و غمرته لفترة من الزمن و لولا تدخل اهالي الحي ماكان اليوم معنا”.

وقال مصدر حكومي لمراسل الخبر ان معظم حالات التشرد الموجودة حاليا هي “فردية” يعاني اصحابها بالمجمل من اضطرابات نفسية حادة (بحسب تعبيره)، و قامت الدولة بتقديم الخدمات المناسبة من استقبالهم ضمن مراكز الايواء و تقديم الحصص الاغاثية للحد قدر الامكان من هذه الحالات.

فراس أحد الناشطين في العمل التنموي في دمشق قال معبرا عن برد الشتاء و أثره على حياة المشردين : لقد نال البرد العام المنصرم من اربع اطفال في موجة الصقيع التي ضربت دمشق في شهر كانون الاول , اعمارهم لا تتجاوز الثلاث سنوات.

وتابع “و كان سقف الخدمات التي استطعنا كفرق تطوعية ان نوفرها لهم هو الملابس الشتوية و الحصص الغذائية و بعض الحرامات، لكن هذا لا يكفي ولا يمنع عن المشردين المطر، و لا يقيهم من البرد، فهذه الظاهرة تحتاج الى تظافر جهود الجميع بشكل منظم و متكامل، فلا يمكن لجهة واحدة أن تعالج هذه المشكلة”.

و تعتبر ظاهرة المشردين حسب العديد من المطلعين ناجمة عن التفكك الاجتماعي الذي كان وليد الحرب اضافة الى غلاء المعيشة, ولم ترتق التدخلات التي تقوم بها المنظمات الدولية و المؤسسات التنموية والجهات الحكومية الى حجم وجع اولئك المشردين الذين جلهم أطفال دفعوا فاتورة ضعف أهلهم و خذلان ذويهم و نسيان المؤسسات الحكومية لمعاناتهم و تجاهل المنظمات الدولية لوجعهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى