الإرها.بي ذو الدم الخفيف
إذا تذكرنا الأفلام والمسلسلات الغربية التي انتشرت انتشاراً رهيباً في الآونة الأخيرة، يحتوي أغلبها على شخصية تتصف بالفظاظة الكبيرة إضافة إلى العبقرية، وحسّ فكاهي “منحرف” حد ما.
“ديكستر” و”دكتور هاوس”، “V” و”الجوكر” وشخصيات مسلسل “La Casa De Papel”، شخصيات عصابية بحس طريف غريب، ترتكب الجرائم المتسلسلة والأخطاء القاتلة ورغم ذلك تحظى بإعجاب الجمهور بشكل غريب
كإن هناك نزوعاً في وسائل الترفيه و”الميديا” بشكل عام للترويج لهذا النوع من الشخصيات ضمن المجتمعات، الشخصيات المعتلّة نفسياً والتي ترغب بنشر الفوضى في العالم، تحت دوافع شخصية – نفسية، تتحوّل إلى ظواهر عامّة.
هل لاحظتم أننا ننجذب بطريقة سرية إلى هذا النوع من “المعاتيه” ذوي الدم الخفيف، هل هذا يعني أننا نملك بدواخلنا جوانب غامضة تجعلنا معجبين بهم ونتمنى أن نحذو حذوهم؟
الأمراض النفسية موجودة وكلنا مرضى بشكل أو بآخر، وبمنطق حرية الإعلام يجوز لأي أحد الترويج لأي فكرة مهما كانت غريبة أو “منحرفة” حتى.
لكن الغريب هو انحيازنا نحن لهذه الشخصيات بانبهار شديد، هل نحتاج جميعاً طبيباً نفسياً؟ ربما لأنهم يشكلون، بطريقة ما، حسب ما يتم تقديمهم في الأفلام والمسلسلات، رغبتنا الصافية بالانتقام أو الامساك بزمام أمور حياتنا، الانتقام من مضطهدينا واتخاذ القرارات في حياتنا، وغالباً تقدم لنا تلك الشخصيات بطريقة جذّابة تجعلنا ننسحر بهم ويصبحون أبطالنا
خصوصاً أنهم غير متوقعين، أفعالهم غير متنبأ بها وغير مدروسة من قبلنا، فنشعر أنهم يسيطرون، ليس فقط على حيواتهم، بل على حيوات الجميع أيضاً
وبالمقابل، ثمة شخصيات حقيقية، أسطورية يمكن أن تحظى بإجماع شعبي وإعجاب خفي، تسعى الميديا لتشويهها بطريقة مقصودة عندما تقدمها، كما فعلت مع شخصيات مثل “جيفارا” و”فيديل كاسترو” و”هوغو تشافيز”، في نزوع لا يمكن وصفه بأنه بريء ودوافعه تجارية بحتة.
البطل الجديد الذي تروّج له المسلسلات الأميركية، لم يعد المدافع عن الحق ومطارد اللصوص كما كان سوبرمان وباتمان، بل مزيج من الرجل العادي الذي ضاق ذرعاً بالقوانين و”أسامة بن لادن” الراغب بتدمير العالم، مع خفّة دم مأخوذة من الـ “ستاند أب كوميدي”.
فقد “الرجال اللطفاء” دورهم في الحياة لصالح الرجل ذي السخرية المريرة والمعادي للقوانين الاعتيادية، والملاحظ أنه لا يعادي أنظمة حكم غربية.
إنها أنظمة ملتبسة، ليست غربية بالمطلق ولا شرقية كذلك، إذ لا تستطيع الحبكة أن تبرر وجود التقدم التقني الهائل والبنية التحتية الصالحة لمسلسلات بهذا القدر دون بيئة ملتبسة تماماً
لا ترغب بتسمية المدن بأسماء معروفة كدمشق والقاهرة وبيروت، إذ تفقد منطق الأكشن الخاص بها، لكنها تحيل بطريقة ما إليها، تجعلنا نشعر أنفسنا أحد أفراد العصابات ونفكّر بطريقتهم وبالتالي نصبح هم.
نتحمّس ونغيّر صور بروفايلاتنا مدفوعين بضعفنا الذي نشعر به والعجز عن مقارعة من يظلموننا، والنتيجة أننا نعيد إنتاج أنفسنا كما يريدون: مجرمون خارجون عن القانون، ننتهج العنف سبيلاً وحيداً للحوار، ولا أمل في إنجاز مشروع تحرري من أي نوع مهما صَغُر.
محمد أبو روز – تلفزيون الخبر