جسر دير الزور المعلّق.. تاريخ عالق في الذاكرة
حين تُعدّ معالم سوريا التي ترسم صورتها الوضاءة قبل الحرب الملعونة، يحضر جسر دير الزور المعلّق كحامل لذاكرة معلقة فوق النهر الجميل، مبعث فخر لأهل المدينة وأول أحاديث من زاره أو رآه، ومن بقي في باله صورة من كتاب مدرسي أو عملة ورقية، ومنّى نفسه يوماً بزيارته.
تميّز الجسر بتصميمه الفريد وجماله وأصبح رمزاً لمدينة ديرالزور، أُنشئ عندما عشرينيات القرن الماضي، واستخدم في النقل من وإلى الجزيرة الفراتية في شرق سوريا.
وضع مخطط إنشاء الجسر في وفق طراز غربي وأسلوب بناء الجسور المعلقة.
في البداية قام بتعهد الجسر “الشركة الفرنسية للبناء والتعهدات”، وتحت إشراف المهندس الفرنسي “مسيو فيفو”، واستمرت ببنائه ست سنوات حيث انتهى العمل به في شهر آذار سنة 1931م، وهو ثاني جسر معلق في العالم من نوعه بعد جسر يقع جنوب فرنسا.
وامتاز هذا الجسر بركائزه الأربعة الباشقة، ويطلق عليها الناس في دير الزور “دنكات” تربطها ببعضها قضبان معدنية فولاذية قاسية، ربطت بعضها ربطاً محكما ًوجميلاً بأسلوب هندسي بديع.
ويبلغ ارتفاع كل ركيزة 36م، أما طول الجسر فيبلغ 450 متراً وعرضه 360 سم وعرض كل رصيف 40 سم ليصبح عرض الجسر4 أمتار، وله أربعة فتحات على النهر تبلغ طول كل فتحة 105 أمتار وفتحتان جانبيتان.
ويذكر أهل المدينة أن بعضاً من العمال سقطوا داخل الكتل الخرسانية التي تحمل الجسر أثناء سكب الإسمنت فيها ولا تزال جثثهم داخلها حتى الآن.
تم تدشين ” الجسر المعلق ” في 23 نيسان عام 1931،وفي بداية استخدامه كان أهالي دير الزور يخافون المشي عليه لكثرة اهتزازه وخاصة عندما تمشي عليه السيارات، مما دفع المهندس الفرنسي إلى المغامرة ليثبت للأهالي سلامة الجسر.
فقام هو وعائلته بالركوب في قارب والوقوف تحت الجسر تماماً وطلب أن تسير ثماني سيارات دفعة واحدة فوق الجسر المعلق، فمرت السيارات بأمان وتيقن أهالي الدير أن الجسر آمن.
كلّف إنشاء هذا الجسر مليون وثلث المليون ليرة سورية في ذلك الحين، وفي عام 1947 نُوِر بالكهرباء وفي عام 1955 صبغ باللون الأخضر وأنير الجسر بأنوار ملونة في غاية الجمال تنعكس ليلا على مياه النهر.
وفي عام 1980 منع من السير عليه بالسيارات والدراجات النارية ونحوها للمحافظة على الجسر كمعلم تاريخي فريد من نوعه، واقتصر على المشاة والنزهة فقط.
أطلق عليه “الجسر الجديد” وذلك للتفريق بينه وبين الجسور الأخرى، عُرِف بعد ذلك “بالجسر المعلق ” أو جسر دير الزور المعلق.
عندما خرج الفرنسيون من سوريا، عمدوا إلى لغم الجسر بغية تفجيره وذلك بحجة عدم عبور القوات البريطانية عليه، إلا أن أحد أبناء المدينة الأبطال واسمه ” محمد علي.. أبو محمود” قام بقطع الفتيل، فنجا الجسر من الدمار.
وللجسر المعلق خصوصية كبيرة عند أهالي دير الزور إذ طالما ذكر في قصائد الشعراء ولطالما كان لأهالي المدينة ذكريات هناك فلا يكاد يخلو منزل في دير الزور من صور أفراده إما أثناء قفزهم منه باتجاه النهر للسباحة، وإما في جلسة عائلية، أو صورة ذكرى لمتزوجين حديثاً.
أو تكون الصورة للقاء ععابر بين الأصدقاء، بل إنه من عادة أهل دير الزور حين زف عروس إلى زوجها أن يأخذوها لتسير فوق الجسر أو تمر بالقرب منه أثناء الزفة.
دُمرّ الجسر المعلق في عام 2013، بعد دخول التنظيمات المسلحة إلى المدينة.
ومن الجدير بالذكر أن التنظيمات المسلحة اعتمدت استراتيجية تدمير الجسور على الأنهار وتحديداً نهر الفرات ودعمتها فيما بعد غارات “التحالف” بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مستهدفة إعاقة أي خطة لهجوم عسكري بري، بالإضافة للضغط في حصارها على المدنيين المتواجدين في تلك المناطق.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر