العناوين الرئيسيةسياسة

حروب المياه وصراع الجفاف.. النيل والفرات أنموذجا

“الحروب القادمة هي حروب المياه” كثيرا ما مرت تلك العبارة على مسامعنا، أكان أثناء تصفحنا لجريدة ما، أو أثناء استماعنا لنشرة أخبار، ولربما حينما نتصفح منصات التواصل الاجتماعي.

لم تعد تلك العبارة مجرد خبر تحذيري، ولم يعد الاندهاش نفسه ينتابنا حينما نسمعها، متسائلين “هل من الممكن أن تتصارع الدول عسكريا، كرمى لقطرات الماء؟”.

وفقًا لقاعدة بيانات النزاعات المتعلقة بالمياه التي يحتفظ بها معهد المحيط الهادي في “كاليفورنيا” منذ الثمانينيات، يوجد أكثر من 900 حالة صراع على مر التاريخ بسبب المياه، كان أبرزها القتال على أراضي الرعي في مالي عام 2019، والتي ذهب ضحيتها أكثر من 50 ألف شخص.

وفي الحديث عن منطقتنا، تتزايد الاتهامات لتركيا باستخدام المياه ورقة لابتزاز جيرانها، عبر لجوئها لقطع مياه نهري دجلة والفرات بصفة متكررة عن سوريا والعراق إضافة إلى قطع المياه عن سكان الحسكة عبر احتلال محطة آبار علوك.

كما أدت السدود التي بنتها وتبنيها تركيا على نهر الفرات إلى تراجع حصة السوريين من النهر، إلى أقل من ربع الكمية المتفق عليها دوليا، وهي مستويات غير مسبوقة.

وأبرز تلك السدود هو سد “أتاتورك” في محافظة “أورفا” التركية والذي يعد أكبر سد في البلاد، فيما لا يختلف الوضع كثيرا بالنسبة إلى العراق فقد ساهمت الممارسات التركية في تراجع مستوى نهر دجلة بشكل كبير عبر سد “إليسو” الضخم الذي بنته تركيا على النهر، ما خفض حصة العراق من النهر، بما يقارب ال 60 %.

وتتعارض ممارسات تركيا بشأن مياه نهري دجلة والفرات مع القوانين الدولية، خاصة الاتفاقيتين الدوليتين لعام 66 و97 من القرن الماضي، وأيضا مع الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع سوريا والعراق.

وبحسب اللجنة الدولية للتغيرات المناخية، فإن الوطن العربي هو المنطقة الأكثر نُدرة في المياه على مستوى العالم كله، وتصل حصة الفرد الواحد من الماء العذب بالوطن العربي، في المتوسط، إلى أقل من 1000 متر مربع سنويا، مع توقعات بانخفاض قدره 40% خلال العقدين القادمين بحد أقصى، مقارنة بمتوسط عالمي يتخطى حاجز 6000 متر مربع.

وأصدر حلف الناتو بيانا في العام 2017 قال فيه إن ظاهرة “الاحترار العالمي” قد تتسبّب في اضطرابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة أن آثاره لا تتعلّق فقط بجفاف الأنهار، فبعض الدول مثل المغرب لا تحتوي على أنهار أو حتّى مياه جوفية، لكنها تعتمد على مياه الأمطار، التي تسهم ظاهرة الاحترار في انخفاض معدلاتها السنوية.

كما أن أحد أسباب اندلاع عدوان حزيران عام 1967 كان محاولات “كيان الاحتلال الاسرائيلي”، تحويل نهر الأردن إلى خط أنابيب يحمل المياه من بحيرة طبرية إلى صحراء النقب، بحيث تحصل “إسرائيل” على نحو ثلثي مياه نهر الأردن، بينما يحصل الأردن على خُمسها، وسوريا على 15% فقط منها على الرغم من أن مياه النهر تنبع من سوريا.

ويمكن شرح العلاقة بين الدول التي تتشارك في حدودها المائية وفق نظريتَين : الأولى نظرية السيادة المطلقة الإقليمية والقائمة على عدم التشاور مع دول المصب، والتي تتبنَّاها دولُ المنبع مثل تركيا: دولة المنبع لنهري دجلة والفرات،

فيما تقوم النظرية الثانية على مبدأ “النزاهة المطلقة الإقليمية”، أي أن تذهب غزارة المياه كاملة إلى المصب، وهي التي تتبنَّاها دولُ المصبِّ ذات النفوذ مثل مصر: دولة المصب لنهر النيل.

ويثير سد النهضة، الذي يقع على نهر النيل في الأراضي الأثيوبية، توتراً كبيراً مع دولتي المصب والممر مصر والسودان، ودولة المنبع إثيوبيا.

وتخشى مصر والسودان من أن يؤثر تشييده بشكل سلبي على حصتهما من مياه النيل، وبينما يتمحور القلق حول سيناريو حدوث جفاف، تواصل اثيوبيا ملء الخزان في عملية بدأت تموز الفائت، على أن تستغرق سنوات.

وتعتمد مصر التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة، على مياه النيل في قطاعي الري ومياه الشرب بنحو 97%، وتؤكد أن لها حقوقاً تاريخية في مياه النهر بموجب اتفاقيتين موقعتين في 1929 و1959، ولم توقعهما إثيوبيا التي تعتبرهما باطلتين.

في حين وقعت “أديس أبابا” اتفاقاً منفصلاً قاطعه السودان ومصر في 2010 مع دول حوض النيل، يتيح لتلك الدول إقامة مشاريع للري وتشييد سدود كهرمائية.

يذكر أنه لا تتعدى نسبة المياه العذبة على سطح الأرض 1 % من المياه التي تشغل ثلاثة أرباع مساحة الكرة الأرضية، والتي يتشكل معظمها من محيطات وبحار مالحة، ويعيش نحو 40 % من سكان العالم في 276 حوضا مائياً تشترك فيها دولتان أو أكثر، منها في منطقتنا العربية النيل الجاري في إثيوبيا والسودان ومصر، والفرات ودجلة النهران المغذيان لتركيا وسوريا والعراق.

تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى