يوم لجأ الأوربيون إلى المخيمات في سوريا والشرق الأوسط
في الوقت الذي عانى ويعاني فيه مئات آلاف السوريين في مخيمات اللجوء المنتشرة في كثير من دول العالم، ينقل لنا التاريخ أن الأرض السورية ومعها بعض دول الشرق، ضمت يوماً مخيمات للاجئين أوروبيين وحملت صفة “الانسانية” بحق.
وينقل موقع “إضاءات” أنه “بحلول آذار من العام 1941 كانت الحرب العالمية الثانية وصلت إلى ذروتها من الاصطدام العنيف، ووصل أعداد القتلى في الحرب إلى الملايين، بدأت بعض القوى الأوروبية في التفكير في دول الشرق الأوسط بصورة جديدة مختلفة عن الفكر الاستعماري القديم، إلى اعتبارها موضعاً مناسباً للاجئين.
في 6 نيسان من عام 1941، وبعد أن أصدر هتلر أمراً عسكرياً لقواته بغزو يوغوسلافيا واليونان، كجزء من التأمين الحدودي لألمانيا وتحركاتها التوسعية في أوروبا الغربية.
ولأن هذه الدول وقتها لم تكن بالقوة الكافية للدخول في معركة حربية أمام القاطرة الألمانية، بدأت بريطانيا في طرح مشروع اللجوء لسكان مجموعة الدول المعرضة لمجازر النازية، وهي: بلغاريا وكرواتيا واليونان ويوغسلافيا وتركيا،وكان الأطفال والنساء هم الشريحة الأهم والأكثر استهدافًا في مشروع اللجوء، .
وصلت جحافل اللاجئين التي قدّرتها بعض التقارير بمئات الآلاف، واستقر بهم المقام في مجموعة من الدول المضيفة كسوريا ومصر وفلسطين وإيران، وكانت المعسكرات تعمل تحت إشراف من القوات المعينة من الأمم المتحدة.
لكن الشهادات التي تناقلها أساتذة التاريخ عن تلك الفترة تؤكد أن معسكرات اللجوء لم تكن بحاجة لأي نوع من أنواع الحماية، و كان دور القوات حينها مقتصرًا على تنظيم عمليات تقديم الإمداد والمؤن اللازمة.
وصلت جموع اللاجئين إلى مناطق عدة مثل حلب في سوريا والسويس ومنطقة عيون موسى وبورسعيد في مصر، وفي عدة مناطق من فلسطين وفي أصفهان بإيران، وقد كان ذلك داخل معسكرات لجوء جماعي، لكنها لم تكن بمعزل كامل عن التجمعات السكنية المعتادة.
رغم المخاوف من حدوث اشتباكات أو نزاعات بين أصحاب الأرض وبين اللاجئين وذلك لأن الوضع القائم في ذلك الوقت هو الاحتلال العسكري الكامل من قبل بريطانيا (المُقترِح الأول والأهم للمشروع)، للدول المضيفة كمصر وفلسطين، وسوريا التي كانت واقعة تحت الاحتلال الفرنسي الحليف الأكبر لبريطانيا في الحرب.
ولم يجد اللاجئون مشكلة في التأقلم السريع مع الوضع، فالأمور لم تكن سيئة أو مأساوية في أراضي اللجوء، ولم يُترك اللاجئون في مناطق باردة مُهملة، وكانت المساعدات والمؤن تصلهم بانتظام، دون أن يفتك الجوع بالأطفال، أو يتفشى المرض في جسد البقية.
ولم يكن من الصعب على أهل تلك البلدان أن يحصل أحدهم على حق اللجوء، فوثائق إثبات الهوية كانت كافية للحصول على وثيقة لجوء رسمية إلى أحد المعسكرات.
حصل الرجال في المخيمات على مجموعة من الوظائف الحرفية ، وفي أعمال النظافة والمبيعات وغيرها، وحصل المؤهلون من الجنسين على وظائف في المدارس الأجنبية أو المشافي، وأما عن النساء غير المؤهلات، فقد عملن داخل المخيمات نفسها في الرعاية الطبية وفي تعليم الأطفال وفي أمور الرعاية الخاصة باللاجئين كإعداد الطعام وغيرها.
ويشير الموقع إلى أنه “لم تكن الصحافة بذلك التطور الذي نشهده تلك الأيام، لذلك فقد كان من الصعب أن يُعثر على أرشيف كامل وموثق لما حدث، لكن الشهادات لم تحوِ أي خلاف، لم تتحدث فئة ما عن معاملة سيئة أو رغبة في الطرد أو شكل من أشكال العنصرية.
و استعانت المصادر الأجنبية بما نشرته صحيفة “هنا القدس” في عددها في عددها الصادر بتاريخ 11 كانون الثاني 1942 حول معاملة السوريين في حلب للاجئين الأوروبيين، مدعومًا بصورة امرأة سورية تقدم الملابس لأطفال اللاجئين.
أما عن لاجئي كرواتيا الذين وصلوا إلى مصر، فقد ذكرت المصادر أنهم استطاعوا بسهولة الاندماج مع الأوضاع الجديدة من حيث الحصول على وظائف بمختلف أنواعها سواء كانت حرفية أو وظائف بالمؤهلات.
وفي إيران، سجلت عدسات كاميرا الفيديو واحدة من المقاطع النادرة من الأرشيف التاريخي، لقطات الاحتفاء والاحتفال التي لاقاها اللاجئون البولنديون قبل نزوحهم نحو مدينة أصفهان واستقرارهم بها حتى ما بعد نهاية الحرب.
وتحدث أستاذ التاريخ بجامعة مينسوتا “إيفان تاراباتا”، عن تاريخ معسكرات اللاجئين في دول الشرق، وكيف كانت الظروف التي وجدها لاجئو أوروبا أفضل بكثير مقارنة مع مثيلاتها في الغرب الأوروبي والتي يحيا بها اللاجئون السوريون حاليًا، بجانب سجل الصور الذي سجلته عدسات الكاميرا لحياة اللاجئين اليومية داخل معسكرات اللجوء، في كلا الجانبين.
ويشير المصدر إلى أن الشق السياسي والمجتمعي في الأمر بحاجة للقليل من التنقيب والبحث، فزعماء أوروبا كانوا أول الداعمين لوصول اللاجئين إلى دول الشرق الأوسط، لإيقاف التقدم السياسي الذي كان من الممكن أن يحرزه هتلر بالضغط على تلك الدول خشية أن يكون تواجد النساء والأطفال عاملاً في إضعافهم أمام القاطرة النازية.
ونفس الوقت كان الزعماء السياسيون في دول الشرق الأوسط في انتظار أن يكون القبول بذلك النوع من المهادنات والاتفاقات سبيلاً لكسب رضا دول الحلفاء والحصول على الجلاء دون الحاجة للدخول في معارك حربية.
وفي المقابل، وبعيدًا عن خطط السياسيين وأفكارهم وتطلعاتهم، فإن الشق المجتمعي في القصة، هو الأجدر بالمشاهدة، فلم يذكر أي مصدر تاريخي ما يفيد بحادثة تعدٍّ على لاجئ غربي، أو مطالبة النساء الأوروبيات بارتداء الحجاب، أو رفض تواجدهم على الأراضي العربية.
ولم يسجل مصدر تاريخي واحد أن حركة ما تكونت لطرد من حصلوا على حق اللجوء حتى تنتهي الحرب.
ويعيش اللاجئون السوريون في مخيمات متعددة في أوروبا مثل ألمانيا واليونان وهولندا وتركيا وغيرها، ومنها مخيم “موريا” في اليونان والذي وصفه أحد اللاجئين السوريين بأنه “بمثابة الجحيم”، وينطبق هذا الوصف على بقية مخيمات اللجوء التي يعاني فيا السوريون منذ سنوات من البرد والجوع والخوف والظروف اللاانسانية.
تلفزيون الخبر