“من الألف إلى الياء” .. ذاكرة الأجيال في ألفي حلقة أسبوعية
في عام 1963 بدأ الإعلامي موفق الخاني برنامجه التلفزيوني العلمي الأسبوعي “من الألف إلى الياء”، ليصبح علامة بارزة في تاريخ التلفزيون السوري، طوال ثلاثة وأربعين عاماً، وأكثر من ألفي حلقة.
وورافق هذا البرنامج بدايات التلفزيون السوري الرسمي الذي بدأ بثه عام 1960، واستقطب ملايين السوريين، بأسلوبه وإمكانياته البسيطة ومعلوماته الواسعة التي كان يقدمها في جزء من مهمة التلفزيون التثقيفية، قبل أن تكثر الشاشات وتتعدد المحتويات ويختلط الغث بالسمين.
وكانت موسوعة غينيس الشهيرة للأرقام القياسية سجلت لقب مقدم أقدم برنامج تلفزيوني علمي لايزال مستمراً في العالم، باسم “باتريك مور”، الذي بدأ برنامجه عام 1957، أي في نفس التاريخ الذي بدأ فيه الخاني العمل في تقديم البرامج العلمية، ولكن في الإذاعة لعدم وجود تلفزيون في سوريا في ذلك الوقت.
وفي الوقت الذي كان فيه عدد حلقات برنامج “مور” الشهري يزيد عن الخمسمئة بقليل، تجاوز عدد حلقات “من الألف إلى الياء” الأسبوعي الألفين حلقة.
ويصف أحد الكتاب البرنامج الشهير قائلاً: “أعتز بأنني أنتمي إلى جيل، نافذته على العالم برنامج تلفزيوني تابعناه على مدى واحد وأربعين عاماً”.
وأضاف “في كل حلقة كنا نطير إلى جديد مبهر من إبداعات ومعارف العالم المتطور في أوروبا وأمريكا، عبر رواية سلسة مشوقة، أمينة دقيقة سهلة واضحة، بالصوت والصورة من الألف إلى الياء”.
وتابع “من علوم الطيران والفضاء ومركباته وتقنياته ورواده القلائل في تلك الأيام، إلى علوم الطب وآخر ابتكاراته وتطوراته، إلى براكين العالم وظواهره الطبيعية”.
“إلى البترول والعلوم الإنسانية، وكان أول ما لفت الأنظار الى الطاقة الشمسية في بلادنا، ورسم خطوطاً للاستفادة منها بشكل مبسط بعيداً عن التعقيد”.
وروى الكاتب عن صدفة جمعته بموفق الخاني، في “باب سريجة” بدمشق بالقول: “التقيت بالصدفة الإعلامي موفق الخاني وقد لامس التسعين، محتفظاً بهيبته وثباته، أنيقاً كعادته، استوقفته بحياء وخجل ونقلت له رسالة من الشكر والحب والعرفان بالنيابة عن جيل كامل نهل من دائرة معارفه”.
حيث كان البرنامج مرتبطاً بمقدمه الإعلامي “موفق الخاني”، الذي تابع السوريون انتقاله من الشباب إلى الشيخوخة، جالساً وراء طاولة يعرض بكل بساطة آخر ما توصل إليه العلم، بلهجة العالم واطلاعه ورغبته بنقل المعلومة، فأربعون عاماً هي حياة كاملة للبعض، بقي فيها الخاني اسماً من الأسماء التي صنعت التلفزيون السوري بإنجازاته الكثيرة.
ولد الخاني في دمشق عام 1922، نشر أول مقالة له في صحيفة محلية وهو في المدرسة الابتدائية، وكتب في مجلة الجندي، وانضم الى سلك الدرك عقب الاستقلال 1946، كما اشترك في حرب فلسطين 1948 .
وخدم في القوات الجوية لمدة 22 عاماً، وله الكثير من المساهمات الفعالة في تأسيس نادي الطيران الشراعي والطيران الزراعي، ولعل هذا ما يفسر تركيزه على “الطائرة” في مقدمة برنامجه.
وحصل الخاني على دبلوم “بول تيساندر” الصادر عن اتحاد الطيران الرياضي العالمي باعتباره رجل الطيران لعام”1963″في سوريا.
ونال شهادة قائد الفرقة الجوية للجمهورية العربية المتحدة في عهد الوحدة عام 1960، والتي عدلت إلى شهادة أركان حرب، (دكتوراه في العلوم العسكرية)، وبدأ إعداد وتقديم البرامج العلمية في الإذاعة السورية عام 1957 لمدة 44 أربع و أربعين عاماً.
وبدأ العمل في التلفزيون السوري منذ تأسيسه عام1960، ببرنامج أسبوعي مجلة العلوم، وفي عام 1963 برنامج من الألف إلى الياء وبقي مستمراً دون انقطاع حتى عام 2004.
أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية المهمة عن سلاح الطيران السوري، وعن مؤسسة مياه عين الفيجه بفيلم وثائقي سينمائي عن جر مياه الشرب إلى مدينة دمشق.
كما أخرج فيلم وثائقي سينمائي عن صناعة النفط بسوريا وعن المواصفات والمقاييس العربية، وعن المعادن والفوسفات والملح الصخري والجص، وفي مجالات العلوم المختلفة، وعمل مستشاراً لوزير السياحة في عام 1980.
وتسلم إدارة مؤسسة الخطوط العربية السورية بين (1950-1955) فساهم بإعادة تأسيسها كما ساهم في خط الحج المعمول باتفاقيته التي وقعها ومازالت حتى الآن، كذلك خطوط الكويت حلب – القامشلي – بيروت.
وتسلم الخاني أيضاً إدارة المؤسسة العامة للسينما عام 1965-1968، وفي نفس الفترة استلم مدير عام للسياحة، حيث قام بتصوير المواقع السياحية في سوريا من الجو، وكان عضواً في لجنة الطوابع بوزارة المواصلات، مديرية البريد، منذ عام 1980.
ويمكن القول إنه في عالم الإعلام الواسع قلة من البرامج تستمر وتبقى، وأقل منها من يكون لها الحظ بإعلامي يحظى بتأهيل علمي وأكاديمي وخبرة وإتقان مع شغف المعرفة ومحبة إيصالها إلى الآخرين بكل طريقة متاحة، فيصبح مع برنامجه جزءاً من ذاكرة أجيال.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر