سوريات يستحضرن زمن“ الحرملك” على شكل “كروبات فيسبوكية “
اعتادت النساء رغم اختلاف العصور ومستجداتها على خلق جلسات لتبادل أطراف الأحاديث التي تصب في أكثرها فيما تسمى “الجلسات النسائية” الخاصة، فعبر التاريخ كانت مجموعات نساء الحارة الواحدة أو القريبات تجتمعن في منزل إحداهن وسميت حينها هذه الجلسات بجلسات “الحرملك”.
وكانت تلك النسوة تصنع خلال هذه الجلسات ما لذ وطاب من “النقرشات” والتسالي بإيديهن في محاولات لاستعراض قدراتهن على إعداد المأكولات، وفي المقابل كانت تتحدث كل منهن عن مشاكلها في الحياة وجديدها وعن أولادهن وفي حال كانت قد زوجتهم تنتقل الأحاديث الى قصص “الكنة” و”الحماية” مع سردٍ للمواقف والأحداث.
اليوم، وبعد حقبة زمنية ولّت على أيام “الحرملك” وما مر بعدها من جلسات أخرى كانت تتخذ من الكافيهات والمنازل مساحات لتلك الجلسات، وفي الزمن “الفيسبوكي” انتشرت على المساحة الزرقاء “كروبات” نسائية تحت مسميات عدة.
وتنوعت مجالات هذه “الكروبات” بين الطبخ والتنظيف وتبادل الخبرات في ذلك إلى أخرى ذات “عيار” مرتفع تنضم إليها النسوة فقط، هذا وإن لم يتسلل إليها رجال بحسابات تحمل السمة الأنثوية، لتتبادل النساء احاديثاً تصب في أغلبها في قضايا ومواقف زوجية “خاصة” جداً ومنها الطبية والاجتماعية وحتى الطائفية.
وتدلي كل من تلك النسوة بدلوها في أمور لا تمتلك من المعرفة فيها سوى تجربتها في حال عاشتها، وكمثال على ذلك تطرح إحدى “الأعضاوات” حالة طبية تعرضت لها طفلتها لتتوالى عليها التعليقات بمعاينات طبية تبعاً لتجاربهن، بعيداً عن رأي الطب والأطباء والمختصيين.
ومن ذلك أيضاً طرح مواضيع الزواج بين “المختلفين طائفياً”، على حد تعبير النسوة على منصتهن تلك، حتى يأخذ الحديث غالباً منحى السب والشتام وكل ما يثير النعرات والنزعات الطائفية بما يخل بنسيج المجتمع الواحد.
ومن المواضيع التي تطرح أيضاً ما يغدقه الأزواج على الزوجات من هدايا وهبات وحب واهتمام، لتتحول هذه المساحة الزرقاء إلى مسرح استعراضي، ولتبدأ بالتالي حالات الغيرة والحسد و”ضيقة العين” وعدم الرضى لدى هؤلاء “الفيسبوكيات”، وبالتالي تدب الخلافات بين الزوجين.
ويمكن القول: إن هذه “الكروبات” باتت تثير الجدل وتشغل حيزاً من الأحاديث بين الإناث والذكور على حد سواء، وأودت بفئة من الرجال إلى منع زوجاتهم من استخدام “الفيسبوك” حرصاً منهم على خصوصية حياتهم وعلى عائلتهم، وفق ما قال الشاب “ط .ش” لتلفزيون الخبر.
وللوقوف على ذلك من جهة علمَي النفس والمجتمع، يقول عميد كلية التربية بجامعة السويداء والمختص بعلم النفس الاعلامي مجدي الفارس لتلفزيون الخبر: إنه “بعد أن سيطرت وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بدأت تتحفنا كل فترة بظاهرة معينة تنتشر عبر هذه الوسائل”.
وأضاف الفارس “تأتي ظاهرة المجموعات المغلقة وخاصة بين النساء والتي تحمل سمة الخصوصية المطلقة لتهدد في بعض منها الأمن الاجتماعي في مجتمعاتنا، على اعتبار أن النساء هم الأكثر شغفاً بمواقع التواصل الاجتماعي وهذا يتناسب مع طبيعة المرأة في حبها للسلوك التواصلي”.
وتابع “ينعكس هذا على أرض الواقع من خلال الصبحيات والاستقبالات والأمور الاجتماعية، حيث وجدت المرأة متنفساً سهلاً بسيطاً عبر الهاتف الذكي، ويكثر ذلك في حالات الكبت لدى البعض منهن، حيث يدخلن إلى هذه التجمعات الافتراضية التي تعكس بعضها خطورة كبيرة من جهة عدم معرفة القائمين عليها”.
ولفت الفارس إلى أن “سهولة الدخول إلى هذه الفسح شجع الكثيرات منهن على الانضمام إليها وهذا مؤشر خطير على الحياة سواء الاجتماعية أو الثقافية في مجتمعاتنا”، مؤكداً أن “المشكلة الحقيقية تكمن في مضمون هذه المجموعات إن كان شكلاً أو أسلوباً أو طرق تكيف معينة أو تواصل”.
وأردف أن “طرح كثير من القضايا على مستوى مغلق في هذه المجموعات وخاصة بين النساء قد يعطي التشجيع الكافي لإطلاق العنان للخيال وتقدير الذات المرتفع وللتعبيرات غير المنطقية في كثير من الأحيان”.
وأوضح الفارس أنه “قد يكون لهذه المجموعات فوائد اجتماعية وثقافية إن كانت مصادرها دقيقة، لكن الملاحظ أن المضمون المسيطر على أغلبها قد يؤذي حياتنا الطبية أو الجنسية أو الثقافية وذلك لأن مصادر المعلومات غير معروفة، فقد يكون عن العلاقات الزوجية أو الصحة الإنجابية أو حالة سياسية معينة .. الخ”.
وأشار إلى أن “الجهة التي تقول هذه المعلومات تكون في أغلب الأحيان مجهولة، وعليه قد يكون هناك من يدس السم بالعسل كارتباط سلوك معين بإعلان أو تسويق أو نشر قضية ما وفكر قد ندفع ثمنها فيما بعد لأن التسويق الثقافي أو الاجتماعي لبعض الأفكار يكون عبر عملية تراكمية”.
ولفت الفارس إلى أنه “في هذه المجموعات هناك بيئة خصبة لانتشار هذه الثقافة التي يروج لها البعض، وبالتالي نصبح أمام حرب حقيقية في هذا الصدد لأننا قد لاندرك خطورة مايدار فيها إلا بعد حين”.
وطرح المختص بعلم النفس الإعلامي مثال على ذلك “من خلال الاكتشافات التي تقع بعد حين بأن الذي نتواصل معه ذكر وليس أنثى أو هو بعيد عن الفئة العمرية لهذه المجموعة وقد يكون غير متوافق مع ثقافات رائداتها”.
وأكمل الفارس أن “بعض الدراسات والمتابعات بينت أن هناك أشخاص يقفون خلف هذه المجموعات قد يطرحون مواضيع سياسية أو اجتماعية أو ثقافية يريدون من خلالها تشكيل رأي عام حول ظاهرة معينة”.
وقال الفارس إن “الكثير من النساء على هذه المجموعات أصبحن طبيبات وطباخات ومرشدات ومعلمات ومهنيات دون أن يمتلكن أي شهادة، فالمواضيع المطروحة والآراء حولها قائمة على خبرة شخصية أو على ما سمع وقيل أو على معلومات عامة وخبرة شخصية غير ممتلكة وتأخذ طابع علمي يروج له”.
وأضاف حيث “تنتشر هذه المعلومات المغلوطة والشائعة بين النساء بشكل أكبر لأن الطبيعة الأنثوية للمرأة تميل إلى صقل المعلومة وللإضافة عليها وتبنيها دون إسناد إلى مصدر موثوق”، مردفاً “هناك كثير من حالات الطلاق وقعت أو قد تقع، وكثير من الأمراض المزمنة و الأفكار تغيرت نتيجة هذه الحالات”.
يذكر أن الأسباب التي أدت الى انتشار هذه الظاهرة وعدم التصدي لها، إضافة للكبت في بعض البيئات وصعوبة تداول الأحاديث مع الأهل في بعض الحالات، بحسب الفارس، هو غياب الإعلام الرسمي الحقيقي وتأخره عن مواكبة الحداثة السريعة والتطور السريع للمعلومة، لتجأ الكثيرات و الكثيرون أيضاً إلى التقاف المعلومة السريعة دون أخذ صوابها أو عدمه بالحسبان.
روان السيد – تلفزيون الخبر