عكس “أيام زمان” .. المواطن السوري يصلي لانقضاء الشتاء بسرعة
في إحدى شوارع دمشق، درجة الحرارة تقارب الصفر، ضوء الشمس باهت، والرياح تسابق بعضها إلى صدر بائع “سحلب” و”فول” يقف وراء عربته التي يعلوها غطاء “نايلون” ليرد حبات المطر عنه، وينتظر زبوناً يبحث عن الدفء الذي قل هذه الأيام، ويتكاثف البخار حوله لا الزبائن، فالمطر يمنع أي شيء من الحركة.
وعلى الزاوية المقابلة لبائع الفول، طفل يجلس حافي القدمين، يرتدي لباساً ربيعياً، وبحضنه علبة “بسكويت”، ويصرخ بصوته الجاف على عكس قدميه المبللتين، “بخمسين ليرة، بخمسين ليرة”، ويضحك بشدة إن أعطيته ثمن اثنتين وأخذت واحدة، فيسنى البرد المحيط به، ويتذكر دفء الجيوب.
وقال شرطي المرور، أبو محمد، الذي يقف بمنتصف الطريق بين زاوية بائع الفول، وزاوية الطفل بائع البسكويت، لتلفزيون الخبر “عم صلي لتنقضي هالشتوية بسرعة”، ويلتفت حوله وكأنه يعاتب الطريق أو الزمن، مضيفا “هذه المنطقة أعرفها منذ سنين، ولم أراها باردة الى هذه الدرجة أبداً، ربما لم نكن نشعر بالشتاء، لعدم وجود دلائل على قسوته، كذلك الطفل المرمي على الطريق” .
تصعد نجوى، إلى باص النقل الداخلي، وتجلس على مقعد بجانب البلور المكسور، فهو المكان الوحيد المتبقي الذي لم يتسابق عليه الركاب لاحتلاله، ومع انطلاقة الباص تغير نجوى مكانها لتقف بين الركاب، “ففعلياً الهواء البارد الذي يدخل من النافذة قادر على تجميد الرأس”، هذا ما قالته بين عدد ممن يضحكون على سخرية الموقف .
وأضافت نجوى، على أنغام أغنية فيروز “رجعت الشتوية”، التي يغيب صوتها مع كل “دجة” للباص، بسبب الحفر المخفية بالمياه، قائلة لتلفزيون الخبر، بصوت منخفض قليلاً “رجعت الشتوية ورجع الركض ورا المازوت والغاز والكهرباء، والله الصيف أفضل وأنضف بكلشي”.
يقف باص النقل على موقف ساحة عرنوس، لتنزل نجوى وعدد من الركاب، ويصعد أبو علي الذي خطف الأنظار اليه من قبل الجميع، فهو “البطل” الذي يحمل بحوزته اسطوانة غاز، فيتهافت عليه الركاب بأسئلتهم من أين وكيف وبكم ؟، ليجيبهم ضاحكاً “استعارة .. استعارة من بيت بنتي”، قاطعا آمالهم وأحلامهم التي بنيت بمجرد صعوده حاملاً لها.
ويتذكر السوريون أن شتاءهم كان له طعماً مختلفاً، فمهما انخفضت درجات الحرارة كان هناك دفء يملأ نفوسهم، أما اليوم صار طعم شهر الخير مراً على أهل الخير، اليوم صار التأفف من هطول المطر هو الحالة الطبيعية لا الفرح، وصار هطول الثلج يوماً أسود على جيوب أرباب الأسر وبيوتهم، لا يوماً أبيض.
اليوم، تحول الشتاء من فصل الذكريات والرومانسية والعشاق، إلى فصل تجار الأزمات، ومافيات الحطب والمحروقات، الذين لا يعرفون عن الشتاء إلا أسمه ومرابحه، ليحولوا ذكريات الناس إلى حطب يستهلكونه.
يزن شقرة _ تلفزيون الخبر