“التنافر المعرفي” فهم الظاهرة وتأثيرها في حياتنا اليومية

كتبت الصحفية “نور أبو فراج”، في موقع “الجمهورية.نت” مقالا عن نظرية التنافر المعرفي (Cognitive Dissonance)، وتُعدّ واحدة من أبرز النظريات في علم النفس الاجتماعي والإعلام.
وتفسّر الظاهرة الشعور بالضيق والقلق الذي ينتاب الإنسان عندما تتصادم قناعاته أو سلوكياته مع معلومات جديدة تُناقض ما يعتقده.
المقال يسلّط الضوء على هذه النظرية من جذورها العلمية وصولًا إلى إسقاطاتها اليومية، خاصة في سياقات معقدة كالمواقف السياسية والاجتماعية.
جذور النظرية: من فشل النبوءة إلى فهم النفس البشرية
وضع عالم النفس الأمريكي “ليون فستنغر” أسس هذه النظرية في كتابه “عندما تُخفق النبوءة” (1956)، حيث راقب جماعات دينية توقّعت نهاية العالم، وحين لم تتحقق النبوءة، بدلا من الاعتراف بالخطأ، تمسّك أتباعها بمعتقداتهم بقوة أكبر، محاولين استقطاب المزيد من الأتباع كوسيلة لتخفيف شعورهم بالخيبة.
وأوضح “فستنغر” أن الناس يلجؤون إلى تبرير سلوكياتهم أو تعديل معتقداتهم لتخفيف الشعور بالتنافر، خاصة إذا كان السلوك مكلفا أو كان القرار مصيريا.
وهذا ما يفسّر لماذا يُصرّ المدخنون على التقليل من مخاطر التدخين، ولماذا يتمسك البعض بمواقف سياسية رغم الأدلة التي تُعارضها.
التنافر في الحياة اليومية والسياسية
يظهر المقال كيف يتغلغل التنافر المعرفي في تفاصيل حياتنا اليومية، من الإنكار البسيط لمخاطر العادات السيئة، إلى الدفاع الشرس عن المواقف السياسية أو الاجتماعية، حتى لو كانت الحقائق الدامغة تُثبت العكس.
فالتنافر يصبح أشد وطأة حين تكون القضايا حساسة أو مصيرية، كما حدث في سوريا منذ عام 2011، حيث واجه الأفراد أسئلة وجودية حول الانتماء والهوية والوطنية، في ظل انقسامات حادّة حول الثورة والنظام والحرب.
ويصبح التنافر في هذه الحالات، بحسب كاتبة المقال، أداة للبقاء النفسي. فالاعتراف بخطأ القناعات قد يكون مؤلما لدرجة تجعل البعض يُفضّل تعزيز أفكاره بدلا من هدمها، خاصة إذا كان الثمن هو الإقرار بأن قراراتهم السابقة ساهمت في معاناة حقيقية.
التنافر كمدخل لفهم التطرف
تُضيء المقالة أيضا على دراسة استخدمت نظرية التنافر لفهم دوافع الجهاديين السويديين السابقين، حيث وجدت أن مشاعر الانزعاج الناتجة عن تناقض القناعات الدينية مع الواقع، دفعت البعض للانخراط في الجماعات المسلحة، في محاولة لوقف التوتر النفسي عبر ممارسات تُثبت صحة معتقداتهم.
لكن مع الوقت، وعند مواجهة العنف المفرط أو الفشل الأيديولوجي، خاض هؤلاء الأفراد تنافرا جديدا دفعهم في بعض الحالات للتخلي عن التطرف.
لماذا تهمنا هذه النظرية اليوم؟
تُقدم نظرية التنافر المعرفي أداة قوية لفهم التعصّب، والعناد الفكري، وحتى الصراعات النفسية التي يعيشها الأفراد داخل مجتمعاتهم، سواء كنا نتحدث عن الانقسامات السياسية أو الإدمان أو قرارات الحياة الكبيرة.
وتشرح النظرية لماذا نتمسك بمواقف قد تلحق الضرر بأنفسنا وبمن حولنا، وكيف يمكن للوعي بهذا التنافر أن يكون الخطوة الأولى لتخفيف أثره، وفتح المجال أمام تفكير أكثر مرونة.
ويُذكر المقال بأن الشعور بعدم الارتياح عند مواجهة معلومات تُناقض قناعاتنا هو أمر طبيعي، وأن الشجاعة تكمن في القدرة على مواجهة هذا الشعور، والتساؤل بصدق: ماذا لو كنت مخطئا؟
تلفزيون الخبر