كيف تميّز بين خطاب الكراهية وحرية التعبير.. وما دور الصحفيين والعاملين في الشأن العام؟
في عصر يتسم بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة التبادل المعلوماتي، وفي بلد خارج من نزاع ويلتقط أنفاسه بعد سقوط نظام الأسد، يبحث السوريّون عن تحقيق العدالة، وبناء دولة المواطنة والقانون، أصبحت قضية التمييز بين خطاب الكراهية وحرية التعبير واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في المجتمعات الحديثة.
وبينما تُعدّ حرية التعبير حقاً أساسياً من حقوق الإنسان، فإن خطاب الكراهية يُشكّل تهديداً للتماسك المجتمعي والأمن العام، إذ يتم الخلط كثيراً بين المفهومين، مع التركيز على دور الصحفيين والعاملين بالشأن العام في تجنّب الوقوع بفخ نشر أو ترويج خطاب الكراهية.
الفرق بين خطاب الكراهية وحرية التعبير
حرية التعبير: حق أساسي
حرية التعبير هي حق إنساني أساسي يكفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19) والعديد من الدساتير الوطنية، وهي تشمل الحق في التعبير عن الآراء والأفكار دون خوف من الرقابة أو العقاب، وحرية التعبير تُعتبر حجر الزاوية في بناء المجتمعات الديمقراطية، إذ تسمح بتبادل الأفكار والنقد البناء.
خطاب الكراهية: حدود الحرية
خطاب الكراهية، من ناحية أُخرى، هو أيّ شكل من أشكال التعبير الذي يُعزز الكراهية أو العنف أو التمييز ضد فرد أو مجموعة بناءً على عوامل مثل العرق، الدين، الجنس، أو الانتماء السياسي، وهذا النوع من الخطاب يتجاوز حدود حرية التعبير لأنه يهدد السلام الاجتماعي ويُعرّض الأفراد أو الجماعات للخطر.
التمييز بينهما
التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية يعتمد على السياق والنيّة والتأثير، ففي حين أن حرية التعبير تحمي الآراء غير المحببة أو المثيرة للجدل، فإن خطاب الكراهية يتجاوز هذه الحماية عندما يُشكّل تهديداً مباشراً أو غير مباشر للآخرين.
خطاب الكراهية في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي
انتشار خطاب الكراهية
مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح خطاب الكراهية أكثر انتشاراً وتأثيراً، فالقدرة على الوصول إلى جمهور واسع بسرعة وسهولة جعلت منصات مثل “فيسبوك” و “إكس” و “إنستغرام” بيئة خصبة لانتشار الكراهية، في بعض الأحيان، يتم استخدام هذه المنصّات لنشر الشائعات والأكاذيب التي تُعزز التمييز والعنف.
دور الخوارزميات
الخوارزميات التي تعمل عليها منصّات التواصل الاجتماعي تُسهم في تضخيم خطاب الكراهية، فالمحتوى المُثير للجدل أو العدائي غالباً ما يحصل على تفاعل أكبر، ممّا يشجّع على انتشاره. هذا يُشكل تحدياً كبيراً للصحفيين والعاملين في الشأن العام الذين يعتمدون على هذه المنصّات لنشر أعمالهم.
دور الصحفيين والعاملين في الشأن العام
المسؤولية الأخلاقية
الصحفيون والعاملون في الشأن العام يتحمّلون مسؤولية أخلاقية كبيرة في تجنب نشر أو ترويج خطاب الكراهية، فهم ليسوا فقط ناقلين للمعلومات، بل أيضاً صانعي رأي عام، لذلك، يجب عليهم التحلّي بالحيادية والموضوعية، وتجنّب استخدام لغة تُعزز الكراهية أو التمييز.
التدقيق في المصادر
من المهم للصحفيين التحقق من صحة المعلومات قبل نشرها، ففي كثير من الأحيان، يتم تداول أخبار كاذبة أو مضللة تُعزز خطاب الكراهية، والتدقيق في المصادر والتحقق من الحقائق يُعدّ خطوة أساسية لتجنّب الوقوع في هذا الفخ.
استخدام لغة محايدة
الصحفيون يجب أن يستخدموا لغة محايدة وغير تحريضية عند تغطية القضايا الحساسة، فالكلمات لها قوة كبيرة، واستخدام لغة عنيفة أو تحريضية يمكن أن يُسهم في تصعيد التوترات الاجتماعية.
تغطية القضايا بإنصاف
عند تغطية قضايا تخص فئات محددة أو جماعات مهمشة أو جماعات تخضع لتقييم خاص بحسب خصوصية الحدث وأبعاده، يجب على الصحفيين أن يحرصوا على تقديم وجهات النظر المختلفة بإنصاف، هذا يساعد في تعزيز التفاهم المتبادل ويقلل من فرص انتشار خطاب الكراهية.
التوعية بمخاطر خطاب الكراهية
الصحفيون والعاملون في الشأن العام يمكن أن يلعبوا دوراً مهماً في توعية الجمهور بمخاطر خطاب الكراهية، من خلال برامج توعوية وحملات إعلامية، يمكنهم تسليط الضوء على الآثار السلبية لهذا النوع من الخطاب وكيفية مواجهته.
التحديات والحلول
التحديات
الضغوط السياسية: في بعض الأحيان، قد يتعرض الصحفيون لضغوط سياسية لتوجيه خطابهم نحو أهداف معينة.
السرعة في النشر: في عصر السرعة، قد يضحي الصحفيون بالدقة من أجل السرعة، مما يزيد من خطر نشر معلومات خاطئة.
التهديدات الأمنية: في بعض البلدان، قد يتعرّض الصحفيون لتهديدات أمنية إذا حاولوا مواجهة خطاب الكراهية.
الحلول
التدريب المستمر: يجب توفير تدريب مستمر للصحفيين حول كيفية التعامل مع خطاب الكراهية واستخدام لغة محايدة.
تعزيز التشريعات: يجب تعزيز التشريعات التي تحمي الصحفيين وتجرم خطاب الكراهية.
التعاون مع منصات التواصل: يمكن للصحفيين التعاون مع منصات التواصل الاجتماعي للإبلاغ عن المحتوى الذي يُعزز الكراهية.
التمييز بين خطاب الكراهية وحرية التعبير يُعدّ تحدياً كبيراً في عصرنا الحالي، إذ يلعب الصحفيون والعاملون في الشأن العام دوراً محورياً في مواجهة هذا التحدي من خلال التحلّي بالمسؤولية الأخلاقية والتدقيق في المعلومات واستخدام لغة محايدة.
وفي النهاية، فإن تعزيز ثقافة التسامح والتفاهم المتبادل هو المفتاح لبناء مجتمعات أكثر سلاماً وعدالة.
تلفزيون الخبر