تحريرٌ للقيود الرقابية في عاصمة الثقافة.. وأضواء المسرح تضاء مجدداً في حلب
شهدت حلب عودة ملحوظة للنشاط المسرحي الذي يشكّل، عبر التاريخ، جزءاً أصيلاً من هوية المدينة، وذلك بعد توقف مؤقت عقب سقوط نظام الأسد.
وفي الوقت الذي يتم فيه تداول مقاطع مصورة ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول محاولات توصف بالفردية، لفصل الذكور عن الإناث في وسائل النقل العامة، مثالاً. اجتمع سيدات ورجال المجتمع الحلبي، من رواد المسرح، كالمعتاد، في مسرح نقابة الفنانين، لحضور أولى العروض الافتتاحية التي استضافها مسرح النقابة، منتصف الشهر الجاري.
وأولى العروض كان “اللاجئان” للأخوين ملص، عملٌ يحكي قصة لاجئَين إلى فرنسا، لاقى استحساناً ملحوظاً ممن حضره، وعرض آخر، لم يسلم من إثارة الجدل عبر السوشل ميديا، لـ يمان نجار، تخلّله مشهد رقص فلكلوري وأغانٍ وطنية تعبّر عن روح الثورة.
وتلك كانت البداية التي فتحت المجال أمام مدير مسرح نقابة الفنانين، ماهر يازجي، ليتمكّن من إعادة الأضواء إلى المسرح الأكثر ارتياداً في حلب.
وأوضح مدير مسرح نقابة الفنانين بحلب، ماهر يازجي، في تصريح لتلفزيون الخبر أنه: “عمل على التواصل مع الإدارة الجديدة في المحافظة، بعد توقف مؤقت للنشاط المسرحي، عقب التغييرات الجذرية التي شهدتها البلاد، وذلك بهدف الاتفاق على آلية واضحة لإعادة تفعيل المسرح في حلب، انطلاقاً من أهمية دور المسرح في إعادة تشكيل الوعي الثقافي لهذه المرحلة”.
وبيّن “يازجي” في حديثه لتلفزيون الخبر أنه: “تلمّس تعاوناً من الإدارة السياسية في المحافظة، وتفاعلاً إيجابياً لا سيما مع المكلّفين بإدارة الشؤون الثقافية، حول ما يتعلّق بتفعيل النشاط المسرحي الذي يعدّ مرآة للمشهد الثقافي في المدينة”.
وانطلق، الخميس، عرضٌ مسرحي، كوميدي اجتماعي، بعنوان “مجنون يحكي وعاقل يسمع”، لمؤلفه ومخرجه الفنان نور نجمي وفرقة نجوم الشهباء، فيما يستمر العرض ويعاد يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع.
وشهد شباك التذاكر في مسرح نقابة الفنانين إقبالاً لافتاً، إذ حظي العرض المذكور بحضور جماهيري يوحي بأن على الرغم من الضائقة الاقتصادية التي يعاني منها أغلبية السوريين، إلا أن المسرح لأهالي حلب، كصرح ثقافي، هو أولوية لا تقل عن الأولويات المعيشية في المدينة المنهكة.
وكانت مسرحية “مجنون يحكي وعاقل يسمع” قد عُرضت في وقت سابق، إلا أن مؤلفها، نور نجمي، اختار إعادة تقديمها للجمهور، بحلّة جديدة، على حدّ وصفه.
وبيّن مؤلف ومخرج العمل، الفنان نور نجمي، في تصريح لتلفزيون الخبر أن: “التغييرات التي طرأت على نص العمل، هي ذاتها التغييرات التي شهدتها البلاد”.
وأوضح “نجمي” أن التعديلات على هذه المسرحية جاءت نتيجة: “ارتفاع سقف الطرح بعد فك القيود الرقابية، فباتت هناك حرية بالطرح وبالتالي مناقشة هذا الطرح بشكل صحيح، على عكس ما كان يُفرض سابقاً من اختزال وتضييق خناق على النصوص المسرحية والدرامية عموماً”.
ووصف المؤلف والمخرج المسرحي، نور نجمي، في حديثه لتلفزيون الخبر الرقابة الحالية على النصوص المسرحية بـ “المنطقية وبالحد المقبول، كالالتزام بالضوابط الأخلاقية والمعايير العامة، بعيداً عن ضبط الحريات بطرح الرأي، وهذا سيدعم تنشيط الحركة المسرحية مستقبلاً” من وجهة نظره.
ومن أبرز التغييرات التي طرأت على النص والتي رصدها تلفزيون الخبر، خلال العرض المسرحي، هي طرح نجوم العمل خلال المشاهد التمثيلية عبارات نقدية لبعض سلوكيات الإدارة الجديدة، بطريقة كوميدية، لاقت تفاعلاً من الحضور الرسمي أنفسهم، ومن الجمهور على حدّ سواء.
ورغم أن العمل المسرحي “مجنون يحكي وعاقل يسمع” يعدّ كوميديا اجتماعية بعيدة نوعاً ما عن السياسة، إلا أن خشبة المسرح سجّلت جمل استهزاء غير مسبوقة، تشير بوضوح إلى رموز النظام السابق، ما جعل أصوات ضحكات الجمهور تتعالى أثناء العرض.
وفي حديثٍ لتلفزيون الخبر مع الفنان المسرحي القدير، غسان دهبي، أشار إلى أن: “المسرح كغيره من القطاعات الثقافية، تراجع بفعل الحرب، لا سيما مع اختلاف أولويات الناس في الأزمات، لكن إعادة الحركة الثقافية، التي تظهر بوادرها الآن، تتطلب إعادة تشكيل الوعي الثقافي انطلاقاً من تاريخ سوريا العريق”.
ويرى الفنان غسان دهبي أنه: “من واجب أهل الاختصاص في الوسط الثقافي أن يتحركوا باتجاه تفعيل مختلف الأنشطة الثقافية كالموسيقا والفنون الجميلة، التشكيلية، وغيرها”.
ودعا الفنان غسان دهبي، في حديثه لتلفزيون الخبر، أفراد الوسط الثقافي لمد يد العون للآخر، بهدف تلاقي الأفكار بما يضمن احترام الاختلاف في وجهات النظر، إذ أن: “إعادة تشكيل المشهد الثقافي المعاصر لا يمكن أن يكون إلا استناداً للإرث الثقافي السوري، فلا يمكن لأحد أن يلغي حضارة سوريا” على حدّ تعبيره.
واعتبر الفنان المسرحي غسان دهبي أن: “حكمة تصرف الكبار من الجيل المسرحي في حلب إلى جانب همّة واندفاع الشباب المسرحي للعمل، سرّعت إعادة تفعيل المسرح في ظل المرحلة الجديدة التي تشهدها سوريا”.
وكان من بين الحضور الرسمي للعمل المسرحي “مجنون يحكي وعاقل يسمع”، في يومه الأول، مدير الثقافة في حلب، حسن جمعة، ومسؤول العلاقات العامة في مديرية الإعلام، معتز خطاب، إلى جانب لفيف متنوع من رواد المسرح.
يذكر أن مسرح نقابة الفنانين في حلب يبدأ، السبت، بتقديم عروضاً مسرحية خاصة للأطفال، تستمر طيلة العطلة الانتصافية، إلى جانب استمرار تقديمه أعمالاً مسرحية موجهة للكبار.
نغم قدسية – تلفزيون الخبر