من هي الجاسوسة “الاسرائيلية” شولا كوهين ؟
تناقلت وسائل الاعلام في الكيان الصهيوني خبر وفاة الجاسوسة السابقة “شولا كوهين”، إحدى أشهر جواسيس الكيان المحتل عبر تاريخه، عن عمر قارب الـ 100 عام.
واشتهرت “شولا كوهين” بدورها التجسسي الذي قامت به في لبنان في ستينيات القرن الماضي، حيث نقلت معلومات كثيرة مهمة من لبنان وسوريا إلى “إسرائيل” طيلة 14 عامًا، بين عامي 1947–1961، وساعدت المعلومات التي نقلتها على تهريب يهود لبنانيين وسوريين إلى “إسرائيل”.
ولدت “شولا كشك كوهين” في الأرجنتين عام 1917، وانتقلت عائلتها الى مدينة بعقوبة شمال بغداد في العراق ثم عادت وانتقلت للعيش في مدينة البصرة العراقية، وفيما بعد هاجروا الى فلسطين عام 1937، ووصلوا الى حيفا قبل ان ينتقلوا للعيش في القدس.
وترعرعت “شولا” في القدس المحتلة، وفي سن 16 عاما، وتزوجت تاجرا يهوديا من بيروت، يدعى “جوزيف كوهين”، وعاشت معه في الحي اليهودي في بيروت، وكانت لديها علاقات مع المجتمع المحلي ومع مسئولين في الحكم.
وقتل والدها وأخوها في في انفجار في مدينة القدس، ثم توفيت والدتها بعد عام، وقتل حبيبها “الاسرائيلي” بعد أن أطلق الفلسطينيون النار عليه وهو يسرق، وكان لها أخت تعمل في عصابة “هاغاناه” الارهابية، وظل من عائلتها فقط أخوها الأكبر الذي تخلى عنها.
وساهم ضابط “اسرائيلي” من أصل بولندي في دخول “شولا” لـ “الموساد”، حيث كانت تعمل في إحدى العيادات في فلسطين المحتلة، وكان على علاقة معها ورأى فيها إمكانيات فجندها لتعمل لصالح “الموساد”، الذي عمل على تدريبها وتأهيلها وتعليمها.
وقرر “الموساد” إيفاد “شولا” إلى لبنان فزور أوراقا ثبوتية لها، وتزوجت من رجل أعمال يهودي لبناني اسمه يوسف كشك وأنجبت منه سبعة أطفال، وأقامت في منطقة وادي أبو جميل، واستطاعت تجنيد الكثير من الشباب اللبناني للعمل لصالحها.
واستخدمت “شولا” في عملياتها أسلوب الدعارة وافتتحت نادي ليلي في لبنان اسمه “رامبو باب” في شارع الحمرا، واستطاعت أن تجند أحد الموظفين في الحكومة اللبنانية أنذاك، محمد عوض، الذي أحبها بعد أن أغرته، في قصة نقلتها أكثر من وسيلة إعلامية.
وتقول رواية تجنيد عوض، أنه كان مسؤولا عن تمديد الإقامات وذهبت إليه لتستفسر عن إقامتها وتناست جواز سفرها عمدا عنده، ولم تذهب لتستلمه واتصلت به هاتفيا مدعية أنها مريضة وأعطته عنوانها ليرسل الجواز لها، فذهب بنفسه إليها، وكان ما كان.
وعن طريق “رامبو باب” استطاعت أيضا “شولا” تجنيد ثلاثة شباب من آل عبد الله، هم محمد سعيد وابن عمه فايز وابن عمه الآخر نصرت، الذي كان لهم دور كبير في تهريب يهود سوريين ولبنانيين إلى “اسرائيل” عن طريق الممرات الوعرة في جنوب لبنان، ونقل الرسائل لـ “الموساد”، وكل ذلك مقابل الجنس.
ونجحت “شولا” أيضا في تجنيد لبناني اسمه جورج أنطون وزرعته في حزب الكتائب، وأسس جماعة سماها “القوات اليهودية للدفاع عن النفس”، لمساعدة اليهود السوريين واللبنانيين والعراقيين أيضا في الهروب لفلسطين المحتلة، كما استطاعت “شولا” أن تجتمع في كازينو “اولمبياد” بالرئيس اللبناني كميل شمعون.
واشتهر النادي الليلي لـ “شولا” بفتاة أرمنية صغيرة تدعى “لوسي كوبيليان” 14 عاما فقط، استطاعت أن تخضع بجمالها عدة من السياسيين اللبنانيين، بالإضافة لعدد أكبر من المومسات، ثم وسعت “شولا” عملها واستأجرت أكثر من 5 بيوت للدعارة في لبنان.
واستخدمت “شولا” أيضا طريقة للحصول على أموال وتهريب اليهود، حيث ساعدت عددا من التجار اليهود اللبنانيين في سرقة بعض البنوك ومن ثم تهريبهم إلى فلسطين المحتلة، حيث كانت تساعد التجار اليهود في الحصول على قروض من بنوك لبنانية ثم تهربهم مع الأموال باتجاه فلسطين المحتلة، كما حدث مع كل من اميل نتشوتو وابراهيم مزراحي التاجرين اليهوديين اللبنانيين.
وشكت المخابرات السورية بـ “شولا” وأرسلت ضابطا سوريا إلى لبنان لإطلاع وتحذير نظيرتها اللبنانية في ذاك الوقت منها، إلا أن المخابرات اللبنانية أهملت الموضوع، وظل التقرير حبيس الأدراج، حتى وقع تحت يد ضابط لبناني يدعى عزيز الأحدب، الذي فتح ملف “شولا” وفضحها ومن جندها.
وكشفت القوى الأمنية اللبنانية النقاب عن عمل “شولاميت كشك كوهين” عام 1961 واعتقلتها مع 28 شخصا من شبكتها، وحكمت المحكمة عليها بعقوبة الإعدام، ولكن بعد تقديم التماس حكم عليها بالسجن لـ7 سنوات فقط، بعد أن قضت معظم هذه المدة، أطلِق سراحها في صفقة إطلاق سراح الأسرى في نهاية حرب عام 1967، وهاجرت إلى “إسرائيل” برفقة عائلتها، وعاشت في القدس حتى وفاتها.
وحكم على زوجها بالسجن ثم أخلي سراحه بعد استئنافه الحكم لعدم وجود أدلة أو شهود، فيما توفي الموظف محمد عوض في ظروف غامضة بررت على أنها نوبة قلبية في سجن الرملة داخل زنزانة انفرادية قبل تقديمه للمحكمة في منتصف 1962، وحكم على آل عبد الله الثلاث بعشرين شهرا فقط، وحكم على زميلتها “راشيل رفول” بـ 15 عاما.
اعترفت “شولا” خلال التحقيق بانها زودت الموساد بمعلومات أمنية وسياسية واقتصادية ومالية عن لبنان، وتولى الدفاع عنها أمام المحاكم اللبنانية شخصيات رفيعة، وذلك خشية انكشاف امرها لأن تلك الشخصيات، وبعضها أعضاء في الحكومة، كانت من الذين يترددون عليها في خلال سهرات الكيف التي كانت تقيمها.
بعد الحكم عليها اتصلت الحكومة “الإسرائيلية” بلجنة مراقبة الهدنة التي تعمل على الحدود بين البلدين منذ عام 1949، وطلبت تدخلها لدى الحكومة اللبنانية للبحث في إطلاق سراح شولا مقابل الإفراج عن عدد من العسكريين اوقفوا عند الحدود، ودرس الطلب في الحكومة اللبنانية واقرت صفقة التبادل فسلمت “شولا” إلى عناصر لجنة مراقبة الهدنة وتسلم لبنان 300 جنديا، فيما يعتبر أول صفقة تبادل بين البلدين.
يذكر أن “شولا” كانت أعترفت في لقاء صحفي سابق بخيبة أملها من معاملة “اسرائيل” لها، حيث قالت أنها “اعتقدت أن عائلتها ستتوحد بعد طول الغياب كما كنت أحلم، ولكن السلطات نقلت زوجي وأولادي ووزعتهم في البلاد”، مضيفة “من السهل فهم أولادي الذين يتهموني بأنني فضلت الصهيونية و”اسرائيل” عليهم”.
وأكملت “شولا” عن خيبة أملها “ما يهمني هو التنكر لي، لم يهتم بي شخص واحد ممن أعرفهم، ولا يهمني التعويض المالي، كان من الأفضل لو نفذوا حكم الإعدام الذي صدر بحقي وكانوا ليحولوني بذلك إلى قديسة بعد موتي”.
يشار إلى أن ابن “شولا” المدعو إسحق لفنون، كان سفيرا لـ “إسرائيل” في القاهرة من تشرين ثاني عام 2009 حتى كانون أول عام 2011، وهو من مواليد لبنان ورحل مع امه ووالده الذي سجن عند اعتقال شولا ثم افرج عنه بعد ذلك بايام.
يذكر أن المخرج اللبناني فؤاد خوري قام بإخراج فيلم سينمائي تحت عنوان “شولا كوهين اللؤلؤة”، وهو فيلم يعرض قصة حياة الجاسوسة “الاسرائيلة”، وتم عرضه في الصالات اللبنانية، وقد لعبت دور “شولا” في الفيلم الممثلة اللبنانية دارين حمزة.