صحة

زيت “الخريج” موروثٌ شعبي أصيل في الساحل السوري يصر العلم على عدم صلاحيته للاستهلاك البشري

زيت الخريج وصلاحية الاستهلاك البشري!

زيت “الخريج” موروثٌ شعبي أصيل في الساحل السوري يصر العلم على عدم صلاحيته للاستهلاك البشري

يُعتبر زيت الخريج السوري، والذي يتم استخلاصه من خلاصة الزيتون، من أكثر أنواع الزيوت رواجاً، لجمالية طقوس تحضيره، بالرغم من صعوبتها.

حيث يتم إنتاجه في مناطق الساحل السوري عموماً، ومنطقتي جبلة وبانياس على وجه الخصوص، ويُشير مصطلح “الخريج” إلى كلمة “استخراج”، وهذا ما يتطابق مع طريقة صناعته.

ويتميّز زيت “الخريج” بـ”نقاوته”، كونه يُستخرج من الزيتون الخالص ولا تدخل أي مواد أُخرى في تركيبته، بحسب مؤيّدي طريقة الإنتاج هذه، الأمر الذي تخالفه مديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، عبير جوهر، إذ تؤكّد باستمرار، أنه “غير صالح للاستهلاك لعدم مطابقته المواصفات”.

واكتشف زيت “الخريج” قبل عهد مملكة أوغاريت الشهيرة على ساحل البحر المتوسط، بحسب العديد من المصادر، وتتعزّز هذه الرواية من خلال اكتشاف حبوب زيتون مسلوقة يعود تاريخها إلى ما قبل زمن مملكة أوغاريت.

كما اكتشف علماء آثار “الباطوس” وهو كلمة سريانية تعني “الحجر الدائري”، ويُستخدم هذا الحجر في تصنيع “الخريج”، إلّا أنه من غير المعروف التاريخ الذي بدأ فيه إنتاج هذا الزيت تحديداً.

ماهي مراحل إنتاج زيت الخريج؟

تمرُّ عملية الإنتاج بعدّة مراحل معقّدة، إذ تبدأ بتنظيف حبّات الزيتون، ثم تكسيرها ضمن آلة حجرية يدوية تسمّى “الباطوس”، وهي عبارة عن جرن حجري دائري تثبّت عليه قطعة خشب من منتصفه لتقوم بتكسير الزيتون بقوّة الحجر.

 

ويُسمّى مركز “الباطوس” بـ”الخرزة”، لذلك يحتاج التكسير إلى قوة عضلية من أجل تدوير “الباطوس” من قبل شخصين بشكلٍ أفقي لتبدأ عملية تكسير الزيتون.

 

 

 

 

يُسلق الزيتون بعد تكسيره ضمن أوانٍ معدنية ضخمة تُسمّى (الجعيلة) بدرجة حرارة 90، ثم يُرفع من الماء الساخن قبل نضجه بقليل، ليتم بعدها وضعه في سلال كبيرة لتصفيته من الماء.

 

 

 

ويتم فرشه على مسطّحات حجرية كبيرة لها حواف مرتفعة، تضمن عدم تسرّب الزيتون خارجها، وتُغطّى بأقمشة جافّة وأكياس خيش نظيفة، ثم تترك لمدّة أسبوع كامل.

يتم كشف الغطاء عن الزيتون، مع نهاية الأسبوع، لتنبعث منه أبخرة بفعل الحرارة والرطوبة، وبعد ذلك يُفرش فوق الأقمشة على أسطح المنازل، ليجف في الهواء ويُصبح شكل حبّات الزيتون أشبه بقطع “الزبيب” بعد أن تذبل وتتخلّص من الماء داخلها.

يُعاد تكسير حبّات الزيتون بواسطة “الباطوس” مرّة أُخرى ليتم طحنها هذه المرة، وعصرها بشكلٍ محكم لاستخراج الزيت الصافي منها.

حتى “الخريج” يُثير الجدل في بلادنا!

أثار تصريح سابق لمديرة مكتب الزيتون في وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، عبير جوهر، لوسائل إعلام، حول عدم صلاحية زيت “الخريج” للاستهلاك البشري جدلاً واسعاً، إذ اعتبره البعض “مبالغ فيه”، خاصةً، وأن “المنتجين لهذا النوع من الزيت يتغذّون عليه منذ عشرات السنوات، والمعمّرين منهم لم يصيبهم ضرر بالرغم من تناولهم له بكميات كبيرة”.

وقالت “جوهر”، إن “أفضل نوع هو الذي ينتج بالعصر الطبيعي للزيتون في المعاصر ويحافظ على جودته وطعمه، أما بالنسبة للزيت الذي ينتج عن الغلي ويطلق عليه شعبياً (الخريج) فهو موروث شعبي، لكنه غير صالح للاستهلاك البشري، لأنه يحوي على نسب عالية من الحموضة ورقم البيروكسيد فيه فوق الـ40 ويعرّض لحرارة عالية ويخمر عدة مرات وأضراره مثبتة علمياً”.

“الاستماع لصوت العلم لا بدّ منه”

قال الأكاديمي في الإنتاج الزراعي، جميل نوفل، إن “الزيت الأسود (الخريج) موروثٌ شعبي متجذّر في قرى الساحل السوري وهو جزء لا يتجزأ من ثقافة المطبخ، لكن طبيعة الحياة اختلفت ولعلّ الاستماع لصوت العلم لا بدّ منه حتى نتعرف إلى القيم المفيدة في هذا المنتج أو الضارة”، وفق ما نقلته “إندبندنت”.

وأضاف “نوفل”، أنه “بحسب الدراسات المخبرية تبيّن أن نواتج الأكسدة تتجمّع في الجسم التي بدورها تقلل نسبة الأوكسجين، ومن الممكن أن تترك تأثيرات في القلب وخلايا الجسم، ولا بدّ من الاعتدال بتناوله لدرء المشكلات الصحية”.

 

ويبقى الجمهور الذوّاق لزيت “الخريج” بمنأى عن كل التصريحات والدراسات المخبرية التي تتحدّث عن سلبياته، متمسكين به كموروث شعبي، يواظبون على إنتاجه كل عام، فهو ليس سماً قاتلاً باعتقادهم، لكن الفرق الطبية والصحية والعلمية ترى أن أثره التراكمي قد يترك تبعات سلبية على الإنسان وصحته.

 

وعاد زيت “الخريج” السوري للإنتاج بقوة مرّة أُخرى، مؤخراً، لزيادة الطلب الكبير عليه، بعد أن بات آيلاً للانقراض خلال سنوات الحرب، وذلك نتيجة لعوامل عدّة، إذ يسعى منتجوه إلى استئناف عملية تصديره.

ويأتي في مقدمة العوامل التي أدّت لتراجعه، الصعوبة والتعقيد في عملية إنتاجه، والتي تتطلّب وقتاً وجهداً كبيراً، إضافةً إلى هدر كميات كبيرة من الزيتون مقابل إنتاج كمية قليلة من “الخريج”، في ظل ظروف معيشية قاسية يعيشها السوريون.

 

 

يُشار إلى أن انتشار معاصر الزيتون الحديثة، والتي تنتج زيت الزيتون بطريقة أكثر ديناميكية وسرعة ساهم إلى حد كبير أيضاً بتقليص صناعة زيت “الخريج” واقتصارها على “ذوّاقينه” فقط.

 

 

 

ويُعرف زيت “الخريج” من كثافته، ولونه الغامق الأقرب للون الأسود، ويُعتبر غير صالح للاستهلاك في حال زادت حموضته عن 5%، وتؤكّد مصادر علمية ورسمية مطلعة لتلفريون الخبر، أن “حموضته تفوق ذلك بكثير”، إذ تحدّد منظمة الصحة العالمية 3.3% كأعلى درجة حموضة للزيت.

يُذكر أن الساحل السوري هو المنتج الأول لزيت “الخريج”، وتحديداً منطقة جبلة، وقرى “بيت ياشوط”، “حراما”، “الدالية”، “دوير بعبدة”، “القطيلبية”، و “بسيسين”، إضافةً إلى العديد من قرى منطقة بانياس، أبرزها “بلوزة”، ولا تخلو موائد البيوت الساحلية من حضوره، لا سيما مع مأكولات كـ”المجدرة”، “الشنكليش”، وصحن “اللبنة”.

شعبان شاميه – تلفزيون الخبر

 

مواد مشابهة:

برائحته القوية ولونه الغامق.. حكاية تحضير زيت الخريج في الساحل السوري

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى