برائحته القوية ولونه الغامق.. حكاية تحضير زيت الخريج في الساحل السوري
يتفرّد السوريون بطرائق تحضير المونة، والتي يبدأ إعدادها من أيلول وبين التشرينين، باختلاف المناطق السورية وعاداتها، إلّا أنّ الساحل السوري تميّز بتحضير زيت الخريج، الذي يعُرف بنكهته القوية الحادة (اللادعة)، ولونه الغامق المائل إلى الأسود، ورائحته الفوّاحة.
يتحدّث الموظف “وحيد حربا” (44) عاماً من إحدى قرى ريف جبلة لتلفزيون الخبر عن كيفية صناعة زيت الخريج، قائلاً: “بعد قطاف الزيتون يتم غسيله، ووضعه في إناء كبير يسمى (الدست)، أو في (النصية) أي نصف برميل، لسلقه على الحطب”.
وأضاف “حربا”: “تستغرق عملية السلق حتى غلي الزيتون، ويترك حوالي ربع ساعة على النار، ثم نصفيه من الماء، ونخرجه إلى سطح المنزل، ونضعه فوق بعضه على شكل تلة ونغطيه لمدة خمسة أيام تقريباً لتخميره”.
وتابع المزارع الأربعيني حديثه: “بعد عملية التخمير يتم فرش الزيتون على الأسطح حتى ينشف تقريباً، وتصبح رائحة الزيتون فوّاحة بكافة أرجاء الحي”.
وقال “حربا”: “عندما ينشف الزيتون تماماً، ويصبح يابساً نأخذه إلى المعصرة، يوجد منها الحديث والقديم، أو باستخدام الباطوس كما كان يستخدم قديماً، ويطحن الزيتون مع بذره، لأن البذرة فيها نسبة من الزيت”.
أجواء تحضير الزيت “بتلم العيلة”
وذكر “حربا” أنه “لا تخلو أجواء صنع المونة، من الأحاديث والقصص، ومن يكن بعيداً من أفراد العائلة يأتي لأخذ حصته، ونجتمع جميعنا أمام دست الزيتون وهو على الحطب، لصنع أبريق الشاي و (دندنة) بعض الأغاني التراثية”.
وشرح “حربا” أن “أكثر أنواع الزيتون التي تنتج زيت أكثر، هي من النوع الدكراوي والخضراوي، أمّا الزيتون المروي تكون نسبة الزيت فيه قليلة”.
وقال “حربا”: “نفتتح أول وجبة زيت خريج، بطبخ البرغل به على الحطب، بالرغم من عدم تفضيل البعض له في الطبخ، لأنه (تقيل)، إلّا أنّ طبخ البرغل فيه له طعم آخر”.
وبيّن “حربا” أن “سعر زيت الخريج أغلى من الزيت العادي، كونه يأخذ وقت في السلق والتخمير، ويتراوح سعر البيدون الواحد من مليون و 300 ألف إلى مليون ونصف”.
وأشار “حربا” إلى أنه “مُحبب ومرغوب لدى أهل الريف أكثر من المدينة، كونهم لا يعتادون طعمه، كما يُطلب زيت الخريج كثيراً من قبل التجار لخلطه مع الزيت النباتي ليصبح زيت زيتون (وسيلة للغش) من قبل البعض”.
بدورها، تحدّث “أم علي” (52) عاماً لتلفزيون الخبر، عن سبب تسميته بزيت الخريج، بأنه “يعود إلى تخريجه قديماً بواسطة الماء، بعد كسر الزيتون ووضعه في (برميل) من الماء، حيث يُفصل الزيت عن الماء، ويطفو هو على السطح وتترسب المياه بالأسفل”.
وأضافت “أم علي”: “وذلك بعد تجميعه على الأسطح، وتغطيته بورق الشجر لتنشيفه، وخروج المياه منه تماماً، حيث يصبح شكله مثل حبة الزبيب”.
وقالت “أم علي”: “وفي المقابل عند تجهيز الزيت، نقوم دائماً، قديماً وحالياً، بتحضير الخبز على التنور، لأكل أول وجبة زيت خريج، وتحضير الشاي الخمير على الحطب”.
ومن غير المعروف تحديداً التاريخ الذي تم اكتشاف تاريخ صناعة زيت الخريج، وتتحدث بعض المصادر عن أنّه تم اكتشافه قبل عهد مملكة أوغاريت على ساحل البحر المتوسط، وتتعزّز هذه الرواية من خلال اكتشاف حبوب زيتون مسلوقة يعود تاريخها إلى ما قبل زمن مملكة أوغاريت.
كما اكتشف علماء آثار “الباطوس” وهو كلمة سريانية تعني “الحجر الدائري” وهذا الحجر يُستخدم في تصنيع زيت الخريج.
يذكر أنّ مديرة مكتب الزيتون في سوريا، صرّحت العام الماضي بعدم صلاحية استهلاك زيت الخريج لتعرضه لحرارة عالية، لينفي أحد أعضاء إدارة اتحاد غرف الزراعة ذلك.
فاطمة حسون – تلفزيون الخبر