وماذا ستخبرون الشهداء عما فعلتموه بأهاليهم .. حكاية عائلة لـ“ثلاثة شهداء“ في حمص
في أحد الشوارع المتفرعة عن شارع المهاجرين الرئيسي حيث تتمركز صورة مائلة بعض الشئ لثلاثة شهداء من أسرة واحدة ، يقع منزل ” أبي خضر ” وبعيد أمتار قليلة في داخل المنزل ، تعلو باب ” الشقة ” صورة أخرى ، وضعها الأبوان ، كدعامة لعمود في المنزل ،عساها تحميه من الانهيار، وهمسوا ان الاخلاق الانسانية انهارت فالأمل الآن بأرواح الشهداء التي تفيض في المكان
والد الشهداء الثلاثة “صالح ضاهر ” مصاب بمرض السكري وقلبه سقيم، لا يبرح وهو يعد ساعات النهاية، وأمل اللقاء بالأولاد . حاملاً في وجهه الشاحب خطوطاً أ كثر من خطوط الطول والعرض في مجسم الكرة الأرضية ، وتجاعيد تبدو كمقبرة شهداء متكاملة .
صالح ضاهر، أنسته سنوات الحرب مواليده، فهو لايذكرها كما دونت على الهوية الشخصية ويكرر دائما “الحمد لله ..الله يرحم الشهداء ..الحمد لله”، يحتاج وزوجته من أدوية القلب والسكري مايزيد عن راتبه التقاعدي .
وأم خضر، أم الشهداء الثلاثة ،”جلطتها ” الظروف الحياتية، فقلبها ايضا لم يعد يحتمل الكثير من الدقات ،فالأولاد الذين رعتهم حتى كبروا، وزوجتهم، هم الآن مجرد ذكريات وصور تم ترتيبها بعناية الى جانب شهادات الشرف على جدران احدى الغرف الداخلية في المنزل .
وهي ذات الغرفة التي اجتمعوا فيها جميعاً ،والتي تنخرت جدرانها من كثرة الحكايا المؤلمة الممزوجة بالفقر، وبدا ظاهراً أن التجديد الوحيد فيها كان قبل سنوات وانحصر على البراويز التي حاولت إخفاء ماخلفها، فعجزت .
تقول أم خضر لتلفزيون الخبر: فقدت أولادي الثلاثة ” يوسف وسمير وحسن ” دفنت حسن بمقبرة الفردوس حيث تمكنا من الحصول على جثمانه بعد توقف المعركة على جسر بغداد بريف دمشق ،ولم أتمكن من دفن أخويه وأخشى أن أموت دون أن أزور ضريحهما .
ندى اليوسف وربى رستم ،تنتظران اليوم، وفي كل يوم، موعد الانتهاء من “ترويب ” اللبن و غسل الطناجر في معمل صغير في حي المهاجرين لتعودا الى المنزل وتشرفا على دراسة الأطفال .
تقول ربى زوجة الشهيد يوسف ضاهر “تطوع يوسف في القوات الخاصة وفقد في معارك كسب منذ اربع سنوات ، وشهد رفاقه باستشهاده ، الا اننا منحنا بطاقة مفقود فقط ، وانا أعيش الآن مع اولادي الثلاثة في منزل ذويه وتعويضه الشهري لايكفينا ، فلذلك بحثت عن عمل يطعم صغاري ويعلمهم”.
قالت ربى وبضحكة ساخرة ، لا تفصل مشاعر السخط عنها “انا بغسل طناجر ب 12000 بالشهر وماعندي غير يوم واحد عطلة وداومي وساعات عملي طويلة ، بروح سبعة الصبح برجع 5 المسا ،انا مابميز هلا بين المسؤول والطنجرة ، برأيي كلهم بدهم تنضيف ”
وتشاركها ندى اليوسف زوجة الشهيد سمير في الحياة والعناء وطبيعة العمل في ورشة ألبان في حي المهاجرين وبذات الراتب 12 ألف شهرياً، فزوجها أيضاً شهيد، استشهد في تلبيسة بريف حمص الشمالي ولديها 4 بنات”
هذه العائلات المنكوبة. عزهم غياب المعيل، فصبروا ذات قهر ، ودارت بهم النوائب واهمال ذوي الشأن ، لتصبح احلام المكلومات بفقد سندهن، لاتتعدى غسيل طناجر من لم يشبع من هذه الحياة،
لم يكرموا اطلاقا، لا ماديا ولا معنويا لأنهم يقولون ” مالنا حدا ” وهل كل هذا الدم المراق، ليس “حدا “.
تقاذفتهم الوعود بوظيفة تحترم حضرة التضحية، ولكن لحد الآن لم يحالف الحظ اياً من النسوة، في محافظة ترى العائلة أن مسؤوليها لم يقدروا فيمة الدماء، التي ماراهنت يوما الا على سوريا وجيشها .
يقولون ان وفدا من مسؤولي المحافظة ( لا يعرفون اسمائهم ) زارهم ذات حين و”طرقوهم “محاضرة في التضحية والبطولة وغادروا بعد ان رفضوا شرب القهوة في منزلهم.
ويبقى الفقير في هذا الوطن يحصن التراب بالدم ويحرس احلام الصغار بعينيه اللتين لاتكترثان لغبار الصحراء العربية ، هم ابناء البلد الدراويش ، الذين لم يهتموا بالتكريم والتأبين حين حملوا السلاح ..لأنهم ببساطة ..هم الوطن
محمد علي الضاهر – تلفزيون الخبر – حمص