العناوين الرئيسيةكي لا ننسى

في ذكرى تأسيسه.. الجيش العربي السوري حكايات من النضال والصمود

لم تكن توجهات الجيش العربي السوري منذ اللحظة الأولى لتأسيسه توجهات خاصة أوضيقة محصورة بنطاق جغرافي محدود، بل كان منطلقاً لأي عمل وحدوي عربي، ومعبراً أساسياً على طريق المقاومة وفي صلبها، كما أنه كان الضمانة في عين أبناء الوطن للحفاظ على الاستقرار.

التأسيس

شكّلت سلطات الاحتلال الفرنسي نوعين من التشكيلات العسكرية في فترة احتلالها للشرق، هما “جيش الشرق” وهو فرنسي بالكامل ويتبع لوزارة الدفاع الفرنسية، و ”القطعات الخاصة” التي تتألف من عساكر محلية تُلحق بـ”جيش الشرق”، إلّا أنها مستقلة بذات الوقت، وهو ما كان يُثير مخاوف سلطات الاحتلال لجهة ولاء أفرادها لفرنسا العظمى.

وطالبت الحكومة السورية منذ 1936 باستلام هذه القطعات لتحويلها لجيش وطني، لكن فرنسا رفضت ذلك بحجة الحرب، ثم فرضت بعض الشروط لتنفيذ التسليم، الأمر الذي أجبر عناصر هذه القطعات على الالتحاق بقوات الأمن الداخلي الوطنية.

إذ بلغ عددها بحلول نهاية تموز 1945 حوالي 70% من قوام الوحدات، ما دفع فرنسا في 1 آب إلى تسليم القطعات الخاصة للحكومة السورية، وهو اليوم الذي اعتبر عيداً للجيش.

وخاض الجيش العربي السوري منذ تأسيسه عدة حروب، أظهر خلالها أدبياته العسكرية وقدراته القتالية العالية وكفاءة جنوده وتشكيلاته في الدفاع عن الوطن وعن القضايا الوطنية، علاوة على كونه صمام الأمان في حماية النسيج الوطني، ونستعرض في هذا التقرير أبرز محطات النضال التي لمع فيها نجم الجيش السوري منذ 79 عاماً حتى اليوم.

حرب 48 وجيش الإنقاذ

تم اختيار منطقة ضاحية قدسيا قرب دمشق لتكون مركزاً لقيادة جيش الإنقاذ العربي للدفاع عن فلسطين أواخر 1947، إذ فتحت الحكومة السورية باب التطوع للسوريين والعرب لتشكيل الجيش العربي، وبطبيعة الحال كان حوالي نصف الجيش من الجنود السوريين.

وحرر الجيش العربي السوري الجزء الشرقي من سهل طبريا وجانباً كبيراً من سهل الحولة، كما حرر برفقة جيش الإنقاذ قطاعاً كبيراً من شمال فلسطين وجنوبها، حتى تدخل الدعم الأمريكي وفرض هدنة قلبت الموازين لصالح جيش الاحتلال وانتهت باحتلال فلسطين.

دور الجيش في عدوان 1956 على مصر

عرضت الحكومة السورية على مصر وضع قوات الجيش العربي السوري تحت أمر القيادة المشتركة للدفاع عن مصر، إلّا أن عبد الناصر طالب بالبقاء على أتم الاستعداد للتدخل في حال استدعى الأمر.

وتهافت المتطوعون في صفوف الجيش لتنفيذ عمليات فدائية نصرةً لمصر بوجه العدوان الثلاثي عليها، كالفدائي ضابط البحرية السورية جول جمال الذي أغرق المدمرة الفرنسية “جان بارت”، إضافةً لعناصر القوات الخاصة الذين قاموا بنسف أنابيب النفط المارة من الأراضي السورية لمنع تغذية العدوان بالنفط العربي.

الجيش ومجرى نهر الأردن

تصدّت قوات الجيش العربي السوري لقرار حكومة الاحتلال عام 1953 بتحويل مجرى نهر الأردن الذي يصب في بحيرة طبريا إلى شمال النقب، إذ قامت القوات بالرمي المباشر على منطقة التحويل، الأمر الذي جعل الاحتلال يقوم بتبديل موقع التحويل إلى الزاوية الشمالية الغربية لبحيرة طبريا.

نكسة حزيران وحرب الاستنزاف

خاضت الجيوش العربية بزعامة الجيشين السوري والمصري حرباً مع الاحتلال الصهيوني في الخامس من حزيران 1967، تعرّضت على أثرها لخسارة قاسية كلفتها زيادة مساحة الأراضي المحتلة من قبل العدو بمقدار أربع أضعاف ما كان مُحتلاً منذ 1948.

وتابع الجيشان السوري والمصري بعد وقف إطلاق النار معاركهما في الدفاع عن البلاد، والتي سُميت “حرب الاستنزاف”، إذ خاض الجيش العربي السوري في الفترة الممتدة من تموز 1969 حتى تموز 1970 عدة معارك على الجبهة السورية من جهة، وعلى جبهات لبنان والأردن ومصر دعماً لقوات هذه البلدان من جهة أُخرى، ما أسفر عن تكبيد العدو خسارة 1027 قتيلاً و 27 طائرة و 72 دبابة و 40 طياراً وملاحاً.

حرب تشرين التحريرية

شن الجيشان السوري والمصري في تمام الساعة الثانية من ظهر 6/10/1973 حرباً مشتركة ضد كيان الاحتلال على امتداد الجبهتين معاً.

واستمرت العمليات القتالية حتى يوم 21/10 من ذات العام، وهو اليوم الذي قبلت به مصر وقف إطلاق النار بشكلٍ منفرد، وذلك بعد تحرير القوات السورية لمدينة القنيطرة والقوات المصرية لشبه جزيرة سيناء.

وانطلقت بعدها “معارك الاستنزاف” التي خاضها الجيش العربي السوري منفرداً ضد الاحتلال لمدة 90 يوماً، والتي كبدت العدو خسائر فادحة.

حرب لبنان ومعارك اجتياح بيروت

شارك الجيش العربي السوري ضمن نسيج قوات “الردع العربي” في عملية وقف الحرب الأهلية التي دارت في لبنان انطلاقاً من عام 1976، إذ كان العنصر الأكبر في هذه القوات الهادفة لإحلال السلام بين اللبنانيين.

كما تصدّى الجيش العربي السوري رفقة فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية للغزو الصهيوني 1982 لجنوب لبنان، إذ قدّم جيشنا آلاف الشهداء والجرحى لحماية بيروت من الاجتياح ومن ثم تحرير لبنان عام 2000.

الصراع مع ميليشيا “الأخوان المسلمين”

عانت سوريا خلال الفترة الممتدة من نهاية السبعينيات حتى أواسط الثمانينات من مؤامرة عربية دولية لكسر سوريا، ومنعها عن القيام بمهامها القومية بوجه الاحتلال الصهيوني، وتمثل ذلك بخوض معارك مع ميليشيا “الأخوان المسلمين” على الأراضي السورية.

حيث نفّذ “الأخوان” عمليات تفجير ضد المدنيين واغتيالات للنخب السورية بقصد إحداث حرب أهلية داخل البلاد، لكنها باءت بالفشل نتيجة تصدّي قوات الجيش العربي السوري لها.

حرب الخليج الثانية (تحرير الكويت)

انضم الجيش العربي السوري لقوات التحالف الدولي المشاركة في عملية تحرير الكويت من الغزو العراقي في آب 1990.

حيث شارك 14300 مقاتل سوري في العمليات لكن تحت شرط أن تكون القوات السورية تحت إدارة قيادة عربية مشتركة لا قيادة أمريكية، واستمرت القوات في المشاركة حتى نهايتها في شباط 1991.

دعم حركات المقاومة

قدمت سوريا وجيشها دعماً مطلقاً لحركات المقاومة العربية بوجه الاستعمار التقليدي وكيان الاحتلال الصهيوني، حيث دعمت سوريا الثورة الجزائرية ضد فرنسا ومدتها بالسلاح والمتطوعين.

وقام الجيش العربي السوري بتبنّي حركات المقاومة في فلسطين ولبنان وفتح مراكز تدريب للمقاتلين على الأراضي السورية، إضافةً لمد هذه الحركات بمختلف أنواع الأسلحة، خصوصاً خلال معارك تحرير لبنان والانتفاضتين الفلسطينيتين وما تبعها من حروب في غزة، علاوة على دعم المقاومة العراقية إبان احتلال العراق عام 2003.

الحرب على سوريا وشعبها 2011

تصدّى الجيش العربي السوري وحلفائه منذ آذار 2011 لحرب شنتها أطراف دولية وعربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال عبر مرتزقة من الداخل السوري، تهدف للقضاء على الدولة السورية وتمزيق النسيج السوري وتغيير موقف سوريا الداعم لحركات المقاومة ضد الكيان.

ولم يقتصر دور الجيش خلال الحرب على العمل العسكري فقط، إذ كان له دوراً نوعياً في مساعدة المدنيين سواء في عمليات الإجلاء من خطر الإرهابيين، أو عند اندلاع الحرائق أو خلال كارثة زلزال 6 شباط، حيث رسخ جملة أنه “جيش الشعب ومن الشعب” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

يُذكر أن موقف الجيش العربي السوري مازال مقاوماً للاحتلال وداعميه رغم كل الضغوطات والحروب التي شُنت ومازالت تُشن على سوريا بقصد تغيير موقفها وتحويلها لدولة من ضمن دول “حظيرة التطبيع”، إضافةً لثبات موقفه في التصدّي للاعتداءات الصهيونية على البلاد بعد عملية “طوفان الأقصى” بهدف تغيير موقف الجيش والشعب والدولة من القضية الفلسطينية.

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى