الحكومة أدرى بمصلحتنا .. كيف أثر الرفع المستمر لأسعار الأدوية على عشوائية أخذ الصادات الحيوية؟
“رب ضارةٍ نافعة”، ربما ينطبق هذا المثل على كثير من الحالات في الوقت الحالي بالنسبة للسوريين، لكن هل ينطبق فعلاً على حالة الرفع المستمر لأسعار الأدوية في الحد من تناول الصادات الحيوية عشوائياً، ومالها من تأثيرات سلبية على المدى القريب والبعيد.
البدائل الطبيعية
تقول منى ناصر (51 عام) من سكان دوير الشيخ سعد في طرطوس لتلفزيون الخبر: “انخفض لجوء عائلتي إلى تناول أدوية الالتهاب في حالات الرشح، كون الفاعلية الدوائية أصبحت غير مجدية، بغض النظر عن ارتفاع أسعارها”، بحسب تعبيرها.
وتابعت منى، الأم لأربعة أولاد، أن “هذا السبب جعلنا نلجأ إلى البدائل الطبيعية، وهو الخيار الأفضل، كتجربة لمدة ثلاث أيام، وفي حال لم يكن البديل الطبيعي فعالاً، الجأ حينها لاستشارة طبيب مختص”.
واعتبرت منى أن “انتشار وباء “كورونا” منذ سنوات، خفّض مناعة الجسم، لذلك يستحسن في حال الإصابة بالرشح، جعل الجسم أقوى وأكثر مقاومة، بالعلاج الطبي الطبيعي، وهو حل توفيري في نفس الوقت سيّما مع رفع أسعار الأدوية عدة مرات في الفترة الأخيرة، إذ هناك عائلات كثيرة لا تستطيع شراء الدواء في الوقت الحالي”.
بدورها، عبّرت المهندسة هبة الحسن، الأم لثلاثة أطفال، في حديثها لتلفزيون الخبر عن “اعتمادها على البدائل الطبيعية، للوقاية من موجات الرشح، عن طريق تبخير منزلها بأوراق الكينا والغار لترطيب الجو، لفائدة استنشاقهم في حال السعال والحساسية”.
وقالت هبة إن “شراء الأدوية أصبح مكلف كثيراً بالنسبة للدخل، لكن أستطيع القول أنني نفدت، كوني اعتمد على روتين غذائي صحي لتقوية مناعة جسدي بإدخال الثوم، الحامض، البصل، العسل، الفواكة، في نظام طعامي بشكل معتدل ومنظم”.
وأكملت هبة حديثها “لكنني أعاني مع طفلتي، بسبب مناعة جسدها الضعيفة، نتيجة أخذ أدوية الالتهاب كونها تعاني من الحساسية المتكررة، وأحاول الحد من استخدام الصادات الحيوية، وتقوية مناعتها بالفيتامينات الطبيعية والمصنّعة بإشراف الطبيب”.
وتابعت هبة “هناك جانب إيجابي من ارتفاع أسعار أدوية الالتهاب، لكن لا يقف الأمر عند الأدوية، إذ أدى ارتفاع أسعار الثوم والبرتقال إلى أرقام فلكية إلى إضعاف قوة جسدي وتقنين إمداده ببعض العناصر الغذائية”.
وذكرت هبة أنه “في حال وصل المريض إلى حالة معينة لا يشعر فيها بتحسن، عن طريق العلاج الطبيعي، يجب أن يستشير طبيب لمعرفة هل تستدعي حالته أخذ دواء التهاب، ولو كان سعره مرتفع، حتى لا يتطور إلى أمراض أخرى، وهذا ما أطبقه بالنسبة لأطفالي “.
أهل الكار يؤكدون ..
من جانبها، تحدّثت الصيدلانية بتول عبد الله (30 عام) من سكان مدينة بانياس لتلفزيون الخبر أن “غلاء الأدوية حدّ بشكل كبير من اخذ الصادات بشكل عشوائي، إذ كان المريض يلجأ إليها حتى لو لم تستدعي حالته”.
وأكملت بتول أنه “وبالرغم من توعية المريض دائماً بشأن خطورة أخذ الصادات الحيوية بشكل عشوائي، هنالك بعض المرضى يصرون بأن أدوية الالتهاب، هي الحل و (السحر) حتى لو لم يكن بحاجتها”.
وبيّنت الصيدلانية بتول أن “أغلب حالات الرشح تكون فيروسية لا تحتاج إلى صاد حيوي، وتكون المعالجة بخافض الحرارة، وشرب السوائل الساخنة”.
وقالت بتول: إن “هناك وعي أكثر هذه الفترة بعدم أخذ الصادات عشوائياً وبدون استشارة اختصاصي، إذ يبقى المريض فترة دون أخذ دواء الالتهاب، كون لا يتناسب شراؤه مع مستوى الدخل، من دون تعميم”.
وتابعت بتول “بعض الحالات تكون عبارة عن إنتان جرثومي ثانوي وتحتاج إلى أخذ صاد حيوي، كما تحتاج الحالة، دون تعريض المريض نفسه لموضوع مقاومة الصادات”.
وقدّرت الصيدلانية بتول أن “شراء الصادات بالنسبة لمبيعات صيدليتها، انخفض بنسبة 50%، والكثير من الأطباء لا يلجأون إلى كتابة صادات حيوية ضمن وصفة المريض، بل القيام بالمعالجة العرضية ثلاثة أيام على الأقل، ثم يتبين حالة وجوب أخذ دوا التهاب من عدمه من خلال الفحص”.
وأشارت بتول إلى أنّ “هناك بعض المرضى يطلبون أدوية التهاب ذات حبات أقل والأرخص سعراً، بغض النظر إذا مناسب لحالتهم أم لا، ودون تغطية الكورس العلاجي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض المقاومة، كون الجراثيم لم يتم القضاء عليها بالصاد الحيوي، وسوف يحتاج المريض إلى فترة علاجية أطول”.
وذكرت بتول أن “هناك خطوط علاجية، هناك صادات خط أول في حال التهاب الأذن، والتهاب القصبات لها خطوط أولى بالعلاج”.
واعتبرت الصيدلانية أن “العلاج الطبيعي عن طريق السوائل الساخنة مع خافضات الحرارة أفضل من الأخذ العشوائي للصادات، ومن تعريض المريض لضرر أكبر نتيجة عدم التزامه بأخذ الكورس العلاجي الكامل، في حال لم تكن حالته تستدعي”.
بدورها، أوضحت الصيدلانية رنيم علي المنحدرة من مدينة صافيتا لتلفزيون الخبر أن “ارتفاع أسعار أدوية الالتهاب أدى إلى انخفاض نسبة مبيعها إلى حوالي النصف، إذ يحاول المريض وفق تعبيرها في الوقت الحالي إلى الاكتفاء بظرف سيتامول، وتناول حبوب رشح، ومهدئات للسعال”.
واعتبرت رنيم أنّ “هناك شرائح كثيرة في المجتمع ميسورة الحال، مع ذلك تتجنب شراء الأدوية”.
وقالت رنيم: “تصلني أحياناً الوصفة إلى الصيدلية من قبل مريض مطالباً بشراء دواء الالتهاب فقط، أو بالعكس جميع مافي الوصفة عدا دواء الالتهاب، إذ هناك الكثير من المواطنين لايستطيعون شراء كافة ما يصف لهم الطبيب في حال الإصابة بالرشح”.
وذكرت رنيم أن “أصحاب الدخل المحدود يعتمدون على تأمين أدوية الأطفال وكبار السن بالدرجة الأولى”.
وذكرت رنيم أن “هناك مرضى يقارنون بين أسعار أدوية الالتهاب، ويأخذون الأقل سعراً، أو أخذ ظرف واحد فقط، دون تحديد نوعية معينة”.
“حتى الفيتامينات خف مبيعها”، تكمل رنيم حديثها لتلفزيون الخبر “عندما يخفف المريض أدوية الالتهاب، ويلجأ إلى تقوية جسده بالفيتامينات، فهي أيضاً لم تعد رخيصة، وأقل نوع يتخطى سعره ثلاثين ألف ليرة”.
من جانبه، أوضح اختصاصي الأمراض الداخلية الصدرية الدكتور حكمت بدور لتلفزيون الخبر أنّه “بسبب غلاء أدوية الالتهاب نضطر أحياناً إلى وصفها بالظرف”.
وقال “بدور”: “هناك نظرة خاطئة وشائعة من قبل بعض المرضى بأخذ أدوية التهاب في حالة الانتانات الفيروسية، ودوري كطبيب توعية المريض بأنه لا يحتاج إليها في هذه الحالة، ويكون علاجها عرضي بأخذ الاعشاب الطبيعية (الزهورات)”.
وذكر “بدور” أن “هناك بعض المرضى يأخذون الدواء من الصيدلية دون استشارة طبيب لتوفير المعاينة، وهذا الموضوع يحتاج إلى ضبط من قبل الصيادلة”.
واعتبر “بدور أن “التناول العشوائي للصادات أثر على مناعة المرضى، وأدى ارتفاع أسعارها إلى انخفاض استهلاكها، ومن الممكن أن يكون لذلك مفعول إيجابي في المستقبل بعدم تشكّل جراثيم مقاومة”.
وذكر “بدور” أن “أدوية الالتهاب يجب أن توصف حسب نوع الالتهاب، ونوع الجرثومة المسببة للالتهاب، أما في حالة الانتانات الفيروسية وهي الرائجة، تعالج من خلال خافضات الحرارة، النوم بشكل كافي، الراحة، الأكل الصحي، الرياضة الخفيفة وغير المجهدة”.
واعتبر “بدور” أن “المأكولات الجاهزة، السريعة، أثرت على انخفاض المناعة، وسببت العديد من الأمراض، وكانت المناعة أكبر والأجساد أكثر مقاومة قديماً، نتيجة الاعتماد على العلاج الطبيعي”.
واعتبر “بدور” أن هناك “زيادة في حالات الرشح من خلال ملاحظة أعداد المراجعين، راصداً “وجود وعي أكثر كون هذه الأمراض يمكن التغلب عليها طبيعياً، وأصبح المريض يعالج نفسه بالبدائل الطبيعية، نتيجة الوعي، وارتفاع أسعار الأدوية”.
مسؤول يوضح ويؤكد
من جهته، أوضح نقيب صيادلة طرطوس الدكتور شادي عيسى لتلفزيون الخبر أنّه “تم ملاحظة تراجع طلب أدوية الالتهاب، من خلال رصد الطلب عليها من مستودع النقابة، معتبراً أن “سبب ذلك ارتفاع أسعارها بالدرجة الأولى، والأمر لا يقتصر على أدوية الالتهاب، إذ أصبح المواطن يشتري الدواء الضروري فقط”.
وأردف “عيسى” أن “هناك تراجع في شراء أدوية الالتهاب بشكل عام، حسب تصريح بعض الصيادلة، وتصريح المدير الفني في الصيدلية المركزية”.
وذكر نقيب صيادلة طرطوس أن “أسعار الأدوية لا تتلاءم مع دخل المواطن، بالرغم من أنها الأرخص في المنطقة، وأصبح المواطن يفكر كثيراً قبل شراء الدواء”.
وتابع “عيسى” أنه “هناك طلب على دواء “ازيثرومايسين”، أو كما هو معروف بدواء الثلاث حبات، كونه من الصادات الحيوية الأقل سعراً، والذي يبلغ 12 ألف ليرة، أو دواء “الماكسيسللين” وسعره 18500”.
وقال “عيسى”: “كصيدلي ممارس منذ ثلاثين عاماً، أشجع عدم حصول المريض على الصادات دون وصفة طبية، وأن تكون الاستشارة من قبل طبيب مختص، لأنه للأسف يستطيع أي مواطن اليوم الدخول إلى الصيدلية وأخذ أدوية معينة، باستثناء بعضها التي تحتاج إلى وصفة، ويلتزم بها الصيادلة”.
ولفت “عيسى” إلى أنّ “تناول وتداول الأدوية بين المواطنين كان بشكل عشوائي، بنصيحة جار، صديق، أو استشارة طبيب عبر الهاتف، وذلك يعود إلى تدني تدخل المواطن”.
وقال “عيسى”: “نحن بالدرجة الأولى نتمنى وجود الوصفة الطبية من قبل الطبيب لأي حالة بشكل علمي وممنهج، ويجب إصدار قوانين صارمة لمنع بيع أي دواء دون وصفة طبية، ماعدا الأدوية التي يمكن صرفها بدون وصفة مثل السيتامول، مضادات الحموضة وأنواع أخرى”.
وختم نقيب صيادلة طرطوس حديثه أن “الأدوية التي تحتاج إلى وصفة خاصة موضوعة ضمن مراقبة، وذلك مطبق في طرطوس منذ عام 2007، ومتشددين فيه من قبل نقابة صيادلة ومديرية صحة طرطوس”.
يذكر أنّ عدد كبير من أصناف الدواء ارتفعت لأكثر من مرة، وتجاوز معظمها نسبة 110بالمائة مع نهاية العام المنصرم، وأنّ وزارة الصحة تسعّر الأدوية وفقاً لسعر صرف الدولار، وذلك بناء على قرار صادر عن مصرف سوريا المركزي في آذار 2020.
فاطمه حسون_ تلفزيون الخبر