أشهر تحدّ عرفه السوريون في القرن الماضي.. “جائزة ألف ليرة لمن يثبت ورق سجاير أطيب من ورق الشام”
ينفخ عليها بخفة وهدوء منتظراً ارتفاع أول ورقة منها ليقبض عليها بحنان خوفا من تمزقها، فهي الجائزة المستحيلة التي لم ينلها أحد، في تحد واضح كتب عليها بالغة العربية الفصحى.
يفرش أبو يزن (65 عاماً) بعضاً من دخانه العربي “الفلت” على ورقة الشام المستخرجة بعناية من دفتره المخبأ جيداً داخل جزدان قماشي مخصص لمدخني السيجارة “الّلف” فلم يعد غيرها “يعبّي الراس”، حسب تعبيره بالهجة الحمصية.
مستخدماً قياسات تقديرية محددة خبرها طوال سنين، يباعد الرجل الذي يعمل في إصلاح القاظانات بحي الزهراء في مدينة حمص، بين السبابة والإبهام لتتوضع كمية الدخان وسط الورقة استعداداً للّف، قبل أن يختم عليها بقليل من لعابه بطرف اللسان كي يلتصق طرفا الورقة بإحكام.
وبعد أن تأخذ سيجارته شكلها المتناسق، المتعرج قليلاً في بعض الأماكن، يأتي الوقت لتأخذ مكانها في مشرَبٍ خشبي صممه له أحد أصدقائه خصيصاً ً من أجود أنواع السنديان، وأضاف عليه بعض التفاصيل الفنية بالحرق بوساطة إبرة ساخنة وكتب اسمه عليه كنوع من الذكرى.
يحرقها بهدوء حتى النفس الأخير، مغمضاً عينيه نصف إغلاق في تذوق للطبخة الجديدة الواصلة إليه حديثاً من منطقة صافيتا، مستفيداً من خبرة عقود في التدخين منذ أن كان طفلا ً، وبالتحديد بعد العصا الأولى التي تلقاها من والده عندما كشف أمره.
ورافق الدخان العربي رحلة أبو يزن في معظم فترات حياته كما قال لتلفزيون الخبر، واشترى دفاتر ورق الشام من مختلف المحافظات السورية التي لا تزال حتى يومنا هذا تحرص على تأمين كميات كبيرة منها نظراً للطلب الكبير عليها لعدة أسباب.
فمن اعتاد التدخين اللف هم أصحاب التذوق الرفيع بحسب أبو يزن، ويندرجون بشكل عام تحت الفئات العمرية الكبيرة ممن أحبت الدخان العربي ولم تشرب سواه رغم تعدد الأصناف حتى في سنوات ما قبل الحرب ومع رخص أسعارها آنذاك.
ويشير الرجل الستيني إلى أن أعداد المتجهين للف العربي ارتفعت بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الدخان المعلب إلى مستويات قياسية تفوق قدرة معظم المدخنين على تحملها، فامتلأ السوق بمئات الأنواع من مصادر الدخان العربي لكن يبقى الغربيّ منه أفضلها حسب رأيه.
وما بين “قطر الندى، الاميركاني، زهر الجنائن”، يصر أبو يزن على أن ورق الشام لم ولن يأت مثله أبدا ً، فطعم احتراقه يكاد يكون معدوماً وبالتالي لا يدخل أي شائب على طعم الدخان.
ويحفظ أبو يزن ما كتب على ورق الشام، بدءاً من “فليحيا الوطن” المحيطة بالتاج، وانتهاءً بعبارة التحدي الشهيرة “وجائزة ألف ليرة لمن يثبت ورق سجاير أطيب من ورق الشام”.
ويكمل بالفصحى “إليك أيها العربي الصميم، إليك أيها الحر النبيل ورق الشام الممتاز على سائر الماركات وهو صاحب التاج المرصع بالنسبة لنظافته ونقاوته من كلّ غش بعد مجهود خمس سنين توفقنا لأحسن ورق مخفف لأضرار التدخين لنخلّصكم من باقي الماركات وسميناه بالشام تيمناً بعروس بلاد العرب، فيجب على من يحب أن يخدم وطنه وصحته أن يستعمل ورق الشام”.
ولا يحسم أبو يزن أمره حول طريقة إثبات صحة التحدي الذي أطلقه منتج ورق الشام بأنه سيعطي ألف ليرة لمن يثبت أن هناك أفضل منه، محتاراً حول ثقته تلك، لينتهي آخر الأمر بأن “الزلمة بيعرف شو عندو”.
الجدير بالذكر أن الجائزة المستحيلة البالغة ألف ليرة في ستينيات القرن الماضي عند بدء إنتاج ورق الشام كانت تعادل ما قيمته ربع كيلو من الذهب في وقتها تقريباً، وهو ما يتجاوز 240 مليون ليرة على سعر الصرف الحالي.
ويعود منتج ورق الشام للصناعيّين الدمشقيَّين، صبحي وصلاح شربجي، اللذين اتخذا من عمّان وبيروت مقرّين لمعامله، وما تزال عبارة التحدي ذاتها تُطبع على الورق حتى اليوم.
عمار ابراهيم-تلفزيون الخبر