في أعالي “جرد” القدموس .. “عين قضيب” تتمسك بالحياة ما استطاعت إليها سبيلاً
هناك في جبال “جرد” القدموس، وبين قساوة الطبيعة، وأزمات البلاد، يحاول مجموعة من الريفيين السوريين، مواجهة الجغرافيا وغياب الخدمات، بكل ما أوتوا من بساطة وقوة.
“عين قضيب”، قرية في ناحية القدموس، منطقة بانياس، من محافظة طرطوس، ترتفع إلى ما يقارب 1150 متر عن سطح البحر.
تبعد “عين قضيب” أربعة عشر كيلومتراً، عن مدينة القدموس، واثني عشر كيلو متراً، عن مدينة مصياف، في المنطقة الفاصلة بين محافظتي طرطوس وحماة، وإن كانت تبدو أبعد من ذلك بكثير عن الحضارة، وسبل العيش السّهل.
تُعرف القرية بمناخها البارد جداً شتاءً، إضافة إلى كثافة الثلوج، التي تجهل من شتاء “عين قضيب” وسط الجغرافيا القاسية، تجربة تحمل من القسوة ما يزيد عناء أهلها في تفاصيل حياتهم اليومية.
الجليد، ميزةٌ إضافية لشتاءات القرية، وهو سبب إضافي لعزلتها الشتوية وانقطاعها عن العالم. فالطرقات الجليدية المقطوعة في “عين قضيب” حدث سنوي متكررٌ، ومعتاد، اعتياداً لا يحمل سهولةً ولا حلولاً تخفف أعباء استمرار تساقط الثلوج أياماً عدة متلاحقة.
تحدث أحد أهالي القرية، لتلفزيون الخبر ، أنه منذ منتصف شهر تشرين الأول، يكون محال لسكان القرية، الجلوس بدون مدفأة، ويقول واصفاً شدة البرد : ” لا ليل ولا نهار، لا يمكنك أن تصمد، ولو لثوان بدون مدفأة”.
وأكد أن استهلاك أي عائلة، كل شتاء، لا يقل عن 5 إلى 6 طناً، من الحطب، وأن الأهالي يبدؤون بتقطيع وجمع الحطب من الأراضي الزراعية، منذ الشهر الرابع، وضحك ساخراً “٥٠ ليتر مازوت تكفيك ليلة واحدة في القدموس”.
ويزيد من مشقّة القرية وأهلها، عدم وجود أي عيادة أو صيدلية، أو مركز صحي، في القرية، فأية حالة إسعافية، ستحتاج قطع ما يقارب 17 كيلومتراً، وصولاً إلى مستشفى القدموس.
يشعر سكان القرية أنهم في كوكب آخر، وأن عملية الخروج من القرية والعودة إليها، تتطلب الكثير من الجهد بطبيعة الحال، ومزيداً من الحظ شتاءً، ويشرح أحد الموظفين من سكان القرية، أنه يمشي يومياً 3 كم، ليصل إلى مفرق قرية “الحاطرية”، لينتظر “هو وحظه” حسب تعبيره، أي شاحنة أو دراجة، أو أي وسيلة نقل، توصله إلى الطريق العام.
لا تقتصر المعاناة على الموظفين، فللطّلاب حصّة وافرة من هذه المشقّة، حيث لا يوجد في القرية، مدرسة ثانوية، وأي طالب في هذه المرحلة، يحتاج ما يزيد على نصف ساعة في أحسن الأحوال، ليصل أقرب ثانوية في القدموس، وبتكلفة لا تقل عن ستة آلاف ليرة.
وشرح أحد الأهالي، أن وجود الكهرباء الخجول، أو حتى انقطاعها المتكرر، لا يغير من كون فكرة “إجراء مكالمة هاتفية”، مهمة شبه مستحيلة، في ظل التغطية الخليوية السيئة، ووصف الأمر قائلاً “نحن في عالم آخر، متأخر عن العالم الحقيقي”.
وتعاني القرية بشكل عام من قلة المياه، مع انقطاعها تماماً في فصل الشتاء، بسبب الجليد، إلا أن معاناة أهالي الحارة “الشرقية” على وجه خاص أكبر، حيث قال أحد أهالي الحارة، أن تمديدات شبكة المياه، لا تصل إلى تلك الحارة المؤلفة مما يزيد على عشر بيوت.
وأكّد أن أهالي الحارة، يشترون خزان المياه، 25 برميل، بتكلفة 250 ألف، من قرية”حيلين” في مصياف، وأنهم قدموا عدة طلبات إلى مؤسستي المياه، في القدموس وطرطوس، دون أي رد.
الزراعات الوحيدة في أراضي القرية الجبلية، هي القمح والشعير، والتبغ، لا يوجد زيتون ولا أشجار مثمرة بسبب قساوة الطقس، وتشكل الجليد، وغياب الخدمات المساعدة على تجاوز الواقع الطبيعي القاسي.
وتحدث أحد الأهالي، ” في كل عام أزرع شجرة زيتون، تكبر قليلاً فتغمرني السعادة، ليأتي الجليد وتذبل شجرتي، لكنني مصر أنني في كل عام سأزرع شجرة”
تقتصر تربية الحيوانات على الأغنام، والماعز بنسبة أكبر، بينما يوجد في القرية مدجنة وحيدة بعيدة عن المنازل، تعمل في فصل الصيف فقط.
وبالرغم من قساوة ظروف الحياة، والخدمات شبه المعدومة في القرية، إلا أنها تمتلك طبيعة ساحرة الجمال، وسكانها مشبعون بالطيبة والكرم، يعيشون فوق كتف الجبال، بانتظار مقوّمات إضافية، تسمح لقريتهم وأهلها بإظهار جوانب أخرى من قدراتهم، تتجاوز انتظار فصل الشتاء ليعبر بسلام، بانتظار شتاءٍ آخر
يشار إلى أن أسعار الحطب، وتمز الزيتون، شهدت ارتفاعاً كبيراً، حيث وصل سعر كيلو الحطب، في قرى القدموس لأكثر من1200 ليرة سورية، لتبدو الحياة أكثر استحالةً، كلما ارتفعت متراً واحداً عن سطح البحر.
لتبقى “عين قضيب” مثالاً على عشرات القرى الغافية في ريف ساحر، وظروف خدمية سيئة، يقاوم أهلها يومياً ويجترحون حلولاً بدائية، تجعل حياتهم مستمرة، لكنها لا تقترب حتى لتكون مريحة.
تلفزيون الخبر