العناوين الرئيسية

جردة شهر تشرين .. شهر الشهادة والنصر

 

مر شهر تشرين الأول 2023 على منطقتنا كما لا يشبهه أي شهر سابق، فكان خليطاً من الحزن والفرح، اليأس والمعنويات العالية، لكن العامل المشترك بين كل شيء، هو إحساس النصر، الذي كان غائباً عن روح شعوبنا منذ عقود.

افتتح هذا الشهر أبوابه عبر انفجار في أنقرة التركية، تبناه حزب “العمال الكردستاني”، وزعمت السلطات التركية حينها أن منفذي العملية تلقيا التدريب في سوريا، الأمر الذي اتخذته تركيا كذريعة لاستهداف الشمال السوري الذي تحتل أجزاء منه.

واستمر الاقتتال بين ميليشيات الاحتلال الأمريكي في المنطقة الشرقية، العشائر من جهة، و”قسد” من جهة أُخرى، بهدف السيطرة على دير الزور، ثم الانتقال لتنفيذ مخطط واشنطن بخلق جيش موحد شرق الفرات لقتال الجيش السوري وحلفائه.

وفي فاجعة أثكلت قلوب السوريين، استهدفت الجماعات الإرهابية عبر الطائرات المُسيرة، في 5 تشرين الأول الماضي، حفل تخريج طلاب ضباط الكلية الحربية في حمص.

وأدت العملية لارتقاء 89 شهيداً، منهم 31 من النساء و5 أطفال وبلغ عدد الإصابات 277، بحسب وزارة الصحة، كما أدانت معظم دول العالم الحادثة، وقام الجيش بعدها بفتح عملية على مواقع الإرهابيين في إدلب.

ولم يكف مستوطنو الاحتلال عن الاعتداء على المقدسات الدينية في القدس، حيث نفذوا سلسلة اقتحامات للمسجد الأقصى، وحاولوا طرد المُصلين المرابطين في المسجد، بهدف إقامة تقاليدهم الدينية بمناسبة الأعياد اليهودية، عدا عن دعوات اليمين المتطرف “الإسرائيلي” إلى ضرورة البدء بأعمال تشييد “الهيكل”.

وفي 7 تشرين الأول 2023، وفي تمام الساعة السادسة صباحاً، اقتحمت قوات المقاومة الفلسطينية، من البر والبحر والجو، تحصينات الاحتلال “الإسرائيلية” في مستوطنات غلاف غزة، ونفذت عملية نوعية تاريخية تحت اسم “طوفان الأقصى”.

وانهارت قوات الاحتلال أمام هجمات الفلسطينيين من غزة، حيث سيطر المقاومون على عشرات المستوطنات، وأسروا مئات الجنود الصهاينة، وقتلوا ما لا يقل عن ألفي “إسرائيلي”، في عملية شكلت ضربة لوجود الكيان في المنطقة بعد مواسم “التطبيع” خلال السنوات الأخيرة.

ولاقت العملية صدى عالمياً، حيث أعادت فلسطين لجوهر الصراع في الوجدان العربي بعد سنوات من اللعب على الذهنية العربية لجرها نحو التطبيع وتصفية القضية الفلسطينية، وهو ما ظهر في الدعم الشعبي العربي عبر الوقفات التضامنية أو على مواقع التواصل.

وعلى الطرف المقابل، استمر الغرب في تعاميه عن جرائم الاحتلال ضد الأهالي في عموم فلسطين، وساق عشرات الأكاذيب حول عملية “الطوفان”، ورغم تراجعه عنها إلا أن الإعلام الغربي شن حملة على الفلسطينيين ومنع التضامن معهم وأيد مطالب “”تل أبيب” بضرورة تهجير أهالي قطاع غزة نحو سيناء المصرية، معتبراً إياهم مثل “داعش” ويجب تشكيل تحالف دولي لقتالهم.

وقام الاحتلال بارتكاب عشرات المجازر منذ ليل السابع من تشرين الأول حتى تاريخه، لم يفرق فيها بين كبير وصغير، طفل أو امرأة أو عجوز، وذلك بحجة القضاء على المقاومة، التي لم يستطع الاحتلال “مس قوتها، وفق كلام قيادة المقاومة في غزة.

ولم يستثنِ الاحتلال من جرائمه استهداف المستشفيات ودور العبادة والمطاعم والتجمعات السكنية، حيث نفذ مجزرة كبيرة من خلال قصفه مشفى المعمداني الذي أسفر عن 500 شهيداً على الأقل، وكذلك استهدف مجمعاً سكنياُ في جباليا أدى لارتقاء ما لا يقل عن 400 شهيداً.

وأيدت دول العالم “المتحضر” إجرام الكيان، ورفضت وقف إطلاق النار، وفرض هدنة إنسانية بقصد إدخال المساعدات للقطاع الذي أصبح بلا ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا غذاء ولا وقود، وحُجب عن الانترنت والاتصالات.

وزار زعماء أمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا كيان الاحتلال، وقدموا فروض الطاعة، واعطوا الضوء الأخضر للاحتلال في ارتكاب مجازره، كما عرقلوا عدة قرارات دولية تحاول إيقاف جرائم الاحتلال، عبر مجلس الأمن.

وأصدر مجلس وزراء الخارجية العرب بياناً هزيلاً لا يرتقِ لمستوى الصراع مع الاحتلال وساوى بين القاتل والقتيل، ودعا مجلس الجامعة لاجتماع “طارئ” في الرياض حول فلسطين في 11 تشرين الثاني المقبل.

وعلى غرار اجتماع وزراء الخارجية العرب، نظمت مصر مؤتمراً تحت اسم “مؤتمر السلام”، بحضور عربي ودولي كبيرين، ناقش “الصراع” في فلسطين، وساوى بين “المدنيين”، وطالب بوقف الاعتداء عليهم، لكن نتائجه لم تكن ذات تأثير.

واستمرت المقاومة الفلسطينية في ثباتها وقدرتها على استهداف كيان الاحتلال في العمق، فعلى الرغم من اكتظاظ سماء غزة بالطيران الصهيوني، إلا أن المقاومة استهدفت كامل المستوطنات على خريطة فلسطين المحتلة، ووصلت صواريخها لـ “تل أبيب” وحيفا وإيلات ومطار “بن غوريون”.

وبعد ارتفاع خطاب التهجير من قبل حكومة الاحتلال، دفعت صواريخ المقاومة المستوطنين في عسقلان، لتركها بعد توعد المقاومة بتنفيذ معادلة “التهجير بالتهجير”.

وانخرط حلفاء المقاومة إلى جانبها في المعركة ضد الكيان، حيث شهدت الحدود اللبنانية الفلسطينية معارك كبيرة بين المقاومة اللبنانية، وجنود الاحتلال، أسفرت عن خسائر تجاوزت 200 بين قتيل وجريح في صفوفهم، وتدمير عشرات الآليات ودبابات “الميركافا”، مع ارتقاء ما يقارب 50 شهيداً من المقاومين اللبنانيين.

وانطلقت صواريخ من سوريا نحو الجولان السوري المحتل، دون تبني أي جهة لعملية إطلاقها، ونفذت المقاومة الشعبية في سوريا والعراق عدة عمليات استهداف لقواعد الاحتلال الأمريكي في البلدين لردعه عن انخراطه المباشر في الحرب ضد أهالي غزة.

وعلى ذات النسق استهدفت حركة “أنصار الله” في اليمن 3 مرات كيان الاحتلال عبر صواريخ بالستية ومُسيرات، كان آخرها سقوط صاروخ قادم من اليمن في “إيلات”.

ومازال الاحتلال يحاول التوغل برياً في غزة، لتنفيذ أحلام رئيس وزراء الكيان “نتنياهو”، بسحق المقاومة، وتهجير الغزاويين، لكنه لم يستطع حتى الآن تنفيذ أي شيء سوى حمل جثث قتلاه من ميدان المعركة التي يخوضها المقاومون الفلسطينيون وهم بكامل ثقتهم بالانتصار.

يذكر أن السوريين لم يحرموا هذا الشهر الاستثنائي من قرارات “رفع/تعديل” الأسعار، التي طالت المحروقات والاتصالات، وحتى أسعار المواد الأساسية لحياة السوريين، لكنه كان الشهر الأول الذي تصدر به مثل هذه القرارات دون أن تشعرهم بذات الحزن، لكون العروق جميعها مشدودة تجاه غزة.

جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى