العنصرية الفرنسية في أبهى صورها.. إنصاف القاتل وإهمال القتيل
اندلعت قبل أسبوع احتجاجات شعبية فرنسية تضامناً مع قضية الشاب الفرنسي من أصول جزائرية نائل المرزوقي (17 عاماً) الذي لقي مصرعه برصاص شرطي مرور في إحدى ضواحي باريس.
ووقع المراهق ضحية عنصرية شرطيين فرنسيين أطلق أحدهما النار باتجاه صدره من نافذة سيارته عندما حاول الانطلاق بها بعد مخالفة مرورية بحسب ما أظهره فيديو مصور في وسائل التواصل الاجتماعي.
وحاولت الشرطة الفرنسية في بداية الأمر نفي الحادثة وإلصاقها بالشاب لكن الادعاء الفرنسي وجه إلى الشرطي الموقوف (38 عاماً) تهمة القتل العمد.
وأثار مقتل الشاب الاحتجاجات في حوالي 99 مدينة أهمها باريس ومرسيليا وليون وتولوز وستراسبورغ وليل ما اضطر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إلغاء مؤتمر صحافي في بروكسل على خلفية القمة الأوروبية عائداً إلى باريس ليترأس خلية أزمة.
ونشرت الشرطة أكثر من 50 ألف شرطي في شوارع باريس فقط وأخلت ساحة “الكونكورد” وسط العاصمة وفي ذات الوقت انتشرت المدرعات وطائرات الهيلوكوبتر في ليون وأوقفت حركة المواصلات العامة في كامل البلاد كما أغلقت معظم المطاعم.
وخلال تأبين “نائل” أضرم محتجون النار في السيارات والحدائق وأغلقوا الشوارع وألقوا مقذوفات على الشرطة وأحرقوا 12 حافلة وأظهرت صور في مواقع التواصل الاجتماعي انفجاراً في ميناء مرسيليا القديم.
وطالبت الأمم المتحدة الدولة الفرنسية بإيجاد حلول حقيقية لـ “قضايا العنصرية العميقة” واعتبر المرشح السابق للانتخابات الرئاسية الفرنسية إريك زيمور في حديث تلفزيوني “إن الاضطرابات في فرنسا يمكن اعتبارها كبداية حرب أهلية وعرقية وإثنية” وهو ما اتفق معه عدد كبير من رواد التواصل الاجتماعي فرنسا.
أيهما أكثر سوءاً؟!
بعد أسبوع من بداية الاحتجاجات الفرنسية بلغ عدد الموقوفين حوالي 3500 فرنسي أغلبهم تحت (18 عاماً) ورُصد فيديوهات لاعتقال أطفال وأصيب المئات جلهم من الشرطة.
وأشعلت النيران في ما لا يقل عن 5 آلاف سيارة في مدن متعددة كما أضرمت النيران في أكثر من 10 آلاف تجمع للقمامة وتعرض خلال تلك الأحداث نحو ألف مبنى للنهب والتخريب بينها بنوك ومراكز تسوق ورُصد 250 اعتداء على مراكز للشرطة في عموم البلاد.
وفي الوقت الذي تعيش به فرنسا كل هذا العنف الذي يهدد أمنها القومي وصورتها التي ادعتها على مدار سنوات ما بعد الاستعمار بأنها “بلاد الحرية والمساواة” تستمر العنجهية اليمينية لتصل ذروتها.
وأطلق اليميني المتطرف جان ميسيها صندوق تبرعات عبر الإنترنت لدعم عائلة الشرطي الذي قتل المراهق من أصول جزائرية معتبراً أنه “قام بعمله ويدفع اليوم ثمناً باهظاً” وذلك تحت عنوان “دعم عائلة شرطي نانتير”.
واستطاع الصندوق جمع أكثر من مليون يورو في أقل من أسبوع حيث تبرع أكثر من 50 ألف شخص الأمر الذي أثار حفيظة وغضب نشطاء على مواقع التواصل خاصة الأحزاب اليسارية بينما حظي الصندوق المخصص لوالدة نائل بمبلغ يتجاوز 220 ألف يورو بقليل.
وجهدت فرنسا منذ سنوات ما بعد الاستعمار التقليدي لتلميع صورتا وإظهار حكومتها على انها مهد للحضارة والرقي والتآخي وذلك في سبيل التغطية على جرا.ئم الحرب التي ارتكبتها في الجزائر وسوريا وعموم إفريقيا خلال فترة الاحتلال.
وعانت فرنسا خلال العصر الحديث من عدة خضات تتعلق بردود أفعال على تصرفات عنصر.ية حكومية ففي 2022 قُتل 13 من المهاجرين بعد خلاف مع الشرطة وفي 2005 عمت الاحتجاجات البلاد إثر وفاة اثنين من المراهقين صعقاً بالكهرباء بعد اختبائهما هرباً من الشرطة.
وفي عام 2020 أثار تصريح لماكرون ردود أفعال غاضبة من داخل فرنسا وأنحاء العالم الإسلامي حين قال في حي “ليه موروه” بضاحية باريس “إن الإسلام ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم وعلى فرنسا التصدي إلى الانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام موازٍ وإنكار الجمهورية”.