“الحرمان” الذي يعيشه أطفال اليوم وأثره في بناء شخصية متوازنة نفسياً

كم من مرّة يطلب طفلاً صغيراً من والدته شراء “بسكوتة” أو “لعبة” أو غيرها مما يرسم قلوباً في عينيه أثناء اصطحابه لإحدى الأسواق، وصولاً لخلق الحجج والبدائل هروباً منها لعدم قدرتها الشرائية لهذه الحاجيات، هذا ما قالته الجدّة “ناديا” لتلفزيون الخبر، عندما وصفت الحال التي وصل لها أطفالنا هذه الأيام.

وأضافت “ناديا” (70 عاماً): “نعم الحال ليس بجديد ولكن أيام الزمن الجميل كانت أرحم، مع وجود البدائل الكثيرة لإرضاء الطفل على عكس هذه الأيام”.

وقالت ربّة المنزل “سلوى” (40 عاماً): “أشعر بالخجل تجاه طفلي عندما يطلب مني غرضاً يحبّه وثمنه أكبر مما أملك داخل محفظتي بمرتين”.

وقالت الموظفة “ليلى” (35 عاماً): “عندما رفضت شراء اللعبة التي أشار إليها طفلي بإحدى الأسواق بات يبكي 6 ساعات لأني لم أجد أي حجّة مقنعة تجاه عدم الشراء سوى جملة.. (مامعي مصاري)”.

وقالت الخيّاطة “ماري” (42 عاماً): “الحرمان الذي يشعر فيه الطفل هذه الأيام يضاعف ما تربّينا عليه في الماضي، كان والدي (يرخي) ووالدتي (تشد).. الآن بتنا محرجين أمام أطفالنا وهذا ما يحبطنا ويؤذينا”.

وأكد الاخصائي في العلاج النفسي الدكتور علي عمار لتلفزيون الخبر أن “نمو الأطفال لايقتصر على الناحية الجسدية فحسب، هناك أيضاً النمو العاطفي والذهني والاجتماعي وغيره”.

الحرمان وبناء شخصية الطفل

وأضاف “عمار”: “هذه الأنواع السابقة للنمو يمر فيها الطفل حتى تتكون شخصيته المبنيّة على تعاضد جميع المراحل بكل تطوراتها لتكون شخصية متجانسة ومتكاملة”.

وأردف “عمار”: “مراحل النمو عند بعض الأطفال قد لا تخلو من الحرمان العاطفي الذي ينعكس على سلوكياتهم، فالحب والحنان والعطف عليهم حاجة مهمّة وحق من حقوقهم لسلامتهم نفسياً واجتماعياً في الصغر والكبر”.

“الحرمان العاطفي هو عدم إشباع حاجة الاهتمام والحنان للطفل، مع افتقاره للحب وغياب الرعاية من والديه والمحيطين به”، بحسب “عمار”.

وأضاف “عمار”: “يظهر الحرمان لدى الطفل عندما يطلب شيء ما من والديه مثل هدية أو لعبة أو ثياب أو حتى نقود الخ، ولا يستطيع الأهل تقديم ماسبق للطفل بسبب الضيق المادي وسوء الأحوال المعيشية وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية”.

وأضاف “عمار”: “يشعر الطفل هنا بنقص في إشباع حاجة مهمّة وهي الحاجة للتملّك مما ينتج شعوراُ بالحرمان”.

“الآثار على الطفل “

وأكد “عمار” أن “الأطفال الذين يعانون من الحرمان يسعون ليكونوا مركز الاهتمام أينما حلّوا، وهو ما يدفعهم إلى عصيان أوامر والديهم والقيام بسلوك غير لائق، مثل البكاء في الأماكن العامة”.

“وفي حال كان الطفل يضحك بشكل مستفز، أو يعاني من تقلبات المزاج المفاجئة والغضب، فمن المرجح أن يكون ذلك بسبب معاناته من الحرمان”، بحسب “عمار”.

وأشار “عمار” إلى أن “الشعور بالحرمان العاطفي يدفع الأطفال أحياناً إلى التصرف بعدوانية، وأحياناً أخرى يلجأ الطفل إلى الكذب أو السرقة أو ربما تظهر لديه اعراض غيرة عالية المستوى”.

وأضاف “عمار”: “يلجأ الطفل إلى حيل نفسية للحصول على الاهتمام مثل تدني تحصيله الدراسي أو الشغب ضمن صفوفه المدرسية، وربمّا يظهر لديه أعراضاً مرضية في جسده ليس لها مبرر فيزيولوجي”.

الآثار على الأم أيضاً

أكد “عمار” أن “شعور الأم بعدم قدرتها على تأمين متطلبات الطفل وإشباع حاجاته يخلق لديها شعوراً بالصراع النفسي”.

وأضاف “عمار”: “يؤدي الصراع النفسي لحدوث إحباط يترجم بأعراض مختلفة من تقلّب المزاج، كالشعور بالحزن أو الغضب أو القلق”.

“كما قد تظهر في حال استمرار هذا الصراع بعض الاضطرابات النفسية التي من الممكن أن تؤثر على علاقة الأنثى بشريكها وتُعيق تكيّفها على المستوى الأسري”، بحسب “عمّار “.

يشار إلى أن مظهر وشدة الحرمان يعتمد إلى حد كبير على خصائص الشخصية الفردية للشخص، وبالتالي الحرمان هو حالة ذاتية لا تتكرر بنفس الطريقة عند أشخاص مختلفين.

“الحلول”..

لابد من توعية الاهل بقضية هامة، حيث أن الكثير منهم يعتقدون أن الطفل لا يفهم عند النقاش معه حول قضية معينة وهذا الأمر خاطئ، بحسب “عمار”.

وأضاف “عمار”: “إن اسلوب التربية القائم على الحوار مع الطفل والنقاش معه حول أي قضية يسهم في زيادة إدراك الطفل للمفاهيم التي يتعامل معها ويعيشها يومياً”.

وأردف “عمار”: “بالمقابل لابد للأهل هنا الاعتناء بالطفل أكثر من الناحية العاطفية وتقديم الدعم له من خلال الاحتضان والعناق والتقبيل له”.

كما يجب على الأهل أن يلعبوا مع الطفل وأن يعوضوا عن عدم قدرتهم على تأمين احتياجاته بإجراء رحلة بسيطة، كالمشي في مكان جديد أو الخروج للحدائق العامة أو زيارة أحد الأقرباء، بحسب “عمار”.

يشار إلى أن ممارسة الرياضة في المنزل وقراءة القصص الخاصة بالأطفال وحفظ بعض الأغاني وسائل مساعدة تسهم في خلق حالة ايجابية لدى الطفل.

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر