“داعش” والآثار .. بانوراما ما بين التدمير الممنهج والسرقة
بدأ تنظيم “داعش” منذ نشأته بعملية تدمير منهجية لآثار تتصدر لائحة التراث العالمي في المناطق الذي سيطر عليها، ويرى كثيرون أن ما يفعله “المغول الجدد” يهدف لطمس التراث الحضاري في المنطقة، فيما يراها آخرون عملية إخفاء لما يسرقه التنظيم من آثار ليبيعها في الخارج.
وشملت العملية مدنا تاريخية مثل تدمر في سوريا ونمرود والحضر في العراق، إضافة إلى مواقع أثرية ومتاحف ومساجد وكنائس وأضرحة.
تعد مدينة “نمرود” الآثرية في الموصل أبرز المعالم التي هدمها “داعش” في العراق، وهي مدينة أثرية آشورية جنوب شرق الموصل، مرشحة للادراج على لائحة “اليونيسكو” للتراث العالمي، وقام عناصر التنظيم بجرف المدينة باستخدام بالآليات الثقيلة بعد سرقة رأس الثور المجنّح عن مدخلها.
وقام عناصر “داعش” بجرف مدينة نينوى الآثرية أيضا وتدمير بوابة لركال، وهي إحدى أهم بوابات المدينة القديمة، كما قام عناصره بجرف مدينة الحضر، وتحويلها إلى معسكر للتدريب.
وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورا، في بداية العام 2015، تظهر ضررا كبيرا في جدران قلعة تلعفر، المدينة الواقعة غرب الموصل، ويعتقد ان الاضرار وقعت في نهاية كانون الاول 2014 أو مطلع كانون الثاني 2015.
ونشر التنظيم، في شباط 2015، شريطا مصورا داخل متحف الموصل ثاني اهم المتاحف العراقية بعد المتحف الوطني في بغداد.
وأظهر الشريط قيام عناصر “داعش” بتحطيم آثار وتماثيل بعضها من نمرود واخرى من مدينة الحضر الاثرية، والتي يعود تاريخها الى العهد الروماني، ومدرجة على لائحة التراث العالمي.
وبحسب مسؤولين في قطاع الآثار، فإن داعش قام بتدمير نحو 90 قطعة وتمثالا، غالبيتها قطع أثرية اصلية، فيما قال العديد منهم أن تلك القطع لم تدمر بل سرقت بهدف بيعها.
وأحرقت الآلاف من الكتب والمخطوطات النادرة التي ضمتها مكتبة الموصل، ولم يتضح حجم الدمار الذي تعرض له مبنى المكتبة، ووصفت اليونيسكو حرق الكتب كمرحلة جديدة في عملية “تطهير ثقافي” يقوم بها التنظيم.
وفجر التنظيم مرقد النبي يونس والجامع المقام فوقه، والذي يعد من أبرز المعالم الدينية في الموصل، حيث قام عناصر “داعش” بتفخيخ المرقد ونسفه بالكامل امام جمع من الناس في تموز 2015.
ودمر قبر المؤرخ ابن الاثير الجزري الموصلي، وتمثالا الشاعر العباسي ابو تمام وعثمان الموصلي الشاعر والعالم بفنون الموسيقى.
وتعرضت العشرات من المعالم الدينية من جوامع كنائس وأضرحة ومقامات داخل محافظة الموصل إلى التدمير والتفجير والحرق على يد عناصر التنظيم المتشدد.
وفي محافظة صلاح الدين دمر “داعش” ثمانية مواقع آثرية، وهي موقع آشور وقبة الصليبية وضريح محمد الدري وجامع أبي دلف وقبر الأربعين صحابياً وقلعة تكريت وسور أشناس.
وتعتبر كنيسة احوداما، المعروفة باسم “الكنيسة الخضراء” من أهم المعالم الدينية التي دمرها “داعش” في المحافظة، وهي كنيسة كبيرة تعود الى نحو 1300 عام في تكريت، شمال بغداد.، وكانت مسرحا لمجزرة تعرض لها المسيحيون على يد المغول خلال العام 1258.
وفي محافظة الأنبار، فجّر مقام الخضر في قضاء هيت وموقع الكرابلة “خندانو” في قضاء القائم.
وفي سوريا، كانت المعالم الدينية أول ما افتتح به التنظيم سلسلة التدمير التي يتبعها أينما حل حيث قام عناصر التنظيم بتفجير مقام آويس القرني وإلى جانبه مقام عمار بن ياسر في مدينة الرقة ويمتلك المقامان أهمية رمزية لسكان المدينة ويعتبر جزءا من ثقافتهم الشعبية.
ونسف تنظيم “داعش” مقام قبة “ستي رحمة” في جبل الزاوية في إدلب، ومسجد الشيخ هلال، ويُعتبر المقام ذو صيغة رمزية لا تحمل بعداً دينياً، إلا أن ذلك لم يؤثر على قرار تنظيم الدولة بتفجيره لأنه، وفق مفهومه، “شرك بالله”.
وقام بتدمير مقام الشيخ عيسى عبد القادر الرفاعي، القريب من مدينة دير الزور في سوريا، بالإضافة إلى عدد من الأضرحة لمشايخ الطرق الصوفية، نظراً لأنه يرى في الطرق الصوفية “كفراً”.
وتعرض مزار النبي داوود للاعتداء ثم التفجير على يد “داعش”، وهو يقع في حلب في قرية دويبق التي سيطر التنظيم عليها.
وفي آب 2015 قام “داعش” بتفجير معبد بعلشمين التاريخي بمدينة تدمر الأثرية بعد تفخيخه بأيام ما أدى إلى انهيار المعبد بشكل كامل وتضرر أعمدة تاريخية موجودة في محيطه بشكل كبير.
ويتمتع معبد بعل شمين بأهمية تاريخية، وهو يبعد نحو 500 متر عن المدرج الروماني بتدمر، وكان يوصف بمعبد “سيد السماء وإله الخصب والنماء والنبع”، ويعود هذا المعبد إلى عام 17 ميلادي، وكلمة بعل شمين تعني إله السماء لدى الفينيقيين.
وبعد أسبوع من تفجير معبد “بعلشمين”، بدأ “داعش” بتدمير معبد “بل” الروماني، حيث قام التنظيم بتفجير شحنة متفجرات كبيرة تم زرعها داخل المعبد ما أدى إلى انهياره بشكل كامل، باستثناء قوس المدخل للمعبد الذي مال بشكل كبيرة ويمكن أن ينهار في أي لحظة ولم يبق منه إلا السور والأعمدة التي تحيط به من مسافة بعيدة.
ويعد معبد “بل”، أكبر المعابد الأثرية في مدينة تدمر وسط سورية، ويصنفه متحف اللوفر الفرنسي على أنه أهم موقع أثري بمدينة تدمر وبُني المعبد في عام 32م على أنقاض آخر مبني بالطين.
واكتمل بناء المعبد في القرن الثاني الميلادي، ويعود اسمه للإله “بل” البابلي، واسمه زيوس بيلوس في بلاد ما بين النهرين، ويقابله بعلشمين لدى الكنعانيين، وحدد الآرامي.
وفجر “داعش” قوس النصر الشهير الموجود في مدخل شارع الأعمدة المستقيم في مدينة تدمر الأثرية آوائل شهر تشرين الأول 2015، وتحدث شهود عيان عن أن عناصر “داعش” فخخوا القوس قبل أيام من تفجيره ليأتي التفجير على القوس وتبقى أعمدته موجودة.
وعمد عناصر “داعش” الجمعة إلى تفخيخ واجهة المسرح الروماني إضافة إلى “التترابيلون” المؤلفة من 16 عمودا في الشارع الرئيسي بالمدينة الأثرية وفجروهما ما أدى إلى تدميرهما في أحدث جرائم التنظيم بحق الإرث الحضاري والتاريخي لسوريا والعالم.
يذكر أن “داعش” بدأ جرائمه في تدمر بإعدامه عالم الآثار السوري المعروف خالد الأسعد والذي يعد صاحب الفضل الأكبر في أعمال الترميم التي شهدتها المدينة الأثرية. كما له العديد من الدراسات التاريخية المترجمة إلى عدة لغات.
إلى ذلك لا تعد جرائم “داعش” بحق المعالم التاريخية والدينية هي الأولى من نوعها في العالم حيث قامت تنظيمات متطرفة بأفعال مشابهة في عدة دول أخرى.
وتعرضت منطقة تومبكتو التاريخية في مالي لتدمير شديد لآثارها، خلال العام 2012، حيث أقدم مسلحون مرتبطون بتنظيم “القاعدة” المتشدد على تدمير العديد من المباني والمعالم التاريخية والدينية.
وفي أفغانستان قامت حركة “طالبان” عام 2001، بتدمير تمثالي بوذا العملاقين قرب مدينة باميان، والذي يرجع تاريخ بنائهما إلى أكثر من 1500 سنة ويعتبرا من أهم معالم البلاد التاريخية.
ويتخوف الليبيون من أن تلاقي المواقع الأثرية الواقعة تحت سيطرة “داعش” لنفس مصير نظيرتها في سوريا والعراق. فيما أصدر مجلس المتاحف العالمي في كانون الأول 2015 قائمة حمراء تحذر من أن الممتلكات الثقافية الليبية مهددة بخطر شديد.
تشبه جرائم “داعش” ما كتب في التاريخ عن جرائم المغول حتى يخيل للبعض أن المغول عادوا أنفسهم ولكن باسم جديد إلا أن الفرق بين مغول العصور القديمة ومغول الألفية الثالثة أن الجدد يتنقلون ويفجرون ويدمرون بمنهجية واضحة وخطط تبدو أنها مرسومة بإتقان شديد.