“الشتوية دخلت ودخل همها” .. سوريون يتقاذفون “ثوب العيرة” العائد بألوان جديدة
يبدو أن مقولة “توب العيرة ما بدفي” تلاشت تدريجياً من المنازل السورية بعد سوء الأحوال المعيشية وانعدام القدرة الشرائية، وبات الكثير من الأشخاص يحتاجون لهذا الثوب ليكسوا أنفسهم وأطفالهم استعداداً لأيام الشتاء التي تدق الأبواب.
وأودت الظروف التعيسة بالموظفة “مرح” (40 عاماً) إلى استعارة الثياب التي تعود لأبناء أختها لإعادة تدويرها على أطفالها بينما تعود وتستخدمها الأخيرة في الأيام المقبلة عند الحاجة، بجملة خجولة “عيريني تياب ولادك برجعلك ياهن”، بحسب ما أكدت لتلفزيون الخبر.
وربما تكون “مرح” واحدة من عشرات النساء التي تلجأ إلى الاستعارة من أخوتها وأقاربها، وتسعى إلى تمشية الأحوال وسترة الأطفال التي باتت تكسر ظهور الآباء وتزيد هموم الأمهات في ظل ارتفاع جنوني لأسعار الكسوة الشتوية في الأسواق.
وحرمت هذه الأسواق طالبة الجامعة “وداد” من شراء سترة تكسي بها جسدها في أيام الشتاء الباردة، حيث باتت تقف يومياً أمام واجهة إحدى المحال في دمشق وتتأمل وتحلم وتتحسر وتُحبَط إلى أن ينتهي الحال بعودتها إلى العليّة التي تستأجرها في منطقة باب توما مع أصدقائها دون شراء السترة التي يبلغ سعرها 300 ألف ليرة سورية.
ورغم الواقع الأليم في سوريا، يعيش عدد كبير من السوريين على مبدأ “رب ضارة نافعة”، فنسي عامل الصحيّة “باسم” (48 عاماً) حمل شراء اللباس لأطفاله بعدما سافر أخوه إلى كندا، و باتت “تهطل” عليه الحوالات المالية شهرياً ليعيش هو وعائلته “عيشة العمرين” ويلبسون ثياباً فاخرة لم يحلموا سابقاً بارتدائها.
وفي ذات السياق، لا يخفي البعض انزعاجه بسبب تصرفات بعض الأقارب الذين باتوا “ينفشون ريشهم” عند زيارة البلد وجلب الهدايا لعائلاتهم منها السترات الشتوية والأحذية وغيرها، وكأنهم يعرفون تماماً أنّهم يحققون أمنيات وأحلام الكثير من العائلات.
“وخود على منيّة” جملة رددها المهندس “كمال” (50 عاماً) عندما تململ في الحديث عن “تقصيره تجاه أطفاله في تأمين أقل حاجاتهم رغم أن أخته الصغرى في “أبو ظبي” ترسل لعائلته اللباس في بداية كل فصل من السنة”.
واختارت ربة المنزل “نور” طريقة شراء الألبسة الشتوية لأطفالها عبر “غطسها” في محيطات أسواق “البالة” رغم ارتفاع أسعارها ومقاربتها من أسعار البضاعة الوطنية، معتقدة أن العثور على “جاكيت” واحد يعود إلى ماركة محترمة أفضل من الحصول على آخر من الصناعة المحلية بجودة سيئة.
وحرم جنون الأسعار بعض العائلات من الإنجاب بسبب عدم قدرتهم على إكفاء حاجيات أطفالهم، وسمح لآخرين السخرية على بعضهم قائلين: “ما معن مصاري لشو عم يجيبوا ولاد”.
أما ربة المنزل “آيات”، فلجأت إلى الدخول بالجمعيات وبيع المونة والأطعمة المنزلية ضمن مقدراتها لكي يكون الحصاد بمثابة “مطمورة” تشتري بها كل ما يحتاج طفلها من كساء شتوي.
وأكد أحد بائعي الألبسة الشتوية في سوق الصالحية بدمشق “سامي” (44 عاماً) لتلفزيون الخبر أن “الزبائن مقسومة إلى قسمين الأول يدفع مثل الهبل من حيث لا ندري، والثاني ينظر إلى الواجهات ويتحسّر”.
ولم يضف “سامي” معلومة جديدة عن ارتفاع الأسعار وعدم استطاعة فئة كبيرة من المواطنين شراء اللوازم الشتوية، ولكن الأمر الذي يعتبر مدهشاً نسبياً أن بعض الزبائن تلجأ إلى محلّه بسؤال: “هل من الممكن تطويل البنطال أو زيادة أقمشة على هذه البلوزة وترقيعها؟”.
ولا يشمل الترقيع الذي يعيشه المواطن السوري ألبسته الشتوية فقط، بل بات يحتاج إلى رقع من الفولاذ لكي يحصّن بها قلبه من تتالي الأزمات والصدمات، وتبقى قائمة أسعار الألبسة الشتوية معروفة لدى المواطنين دون حاجتهم إلى أي وسيلة إعلامية لعرضها أو التذكير بها.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر