موجوعين

وسقطت “أيقونة التقسيم” .. حكاية معبر “بستان القصر” الذي طعن أبناء حلب على جانبيه

لم يكن الحي الذي اشتهر بمحلات انتاج وبيع المفروشات في مدينة تعتبر عاصمة للصناعة، أن يتحول ليصبح ذا شهرة عالمية، باحتوائه على “معبر”، معبر يفصل بين شطري المدينة التي أريد لها أن تكون مدينتين، شرق المعبر، وغرب المعبر، بستان القصر.

يقع حي بستان القصر بالقرب من مركز مدينة حلب ويتوسط الحي احياء الكلاسة وباب انطاكية والانصاري ويفصلها شارع اوتوستراد عن حيي الفيض والمشارقة.

بدأت حكاية الحي الذي يمر به نهر قويق، والذي جمع تاريخياً بين ورشات الخشب والمفروشات في طوابق أبنيته السفلية ومنازل المواطنين في الطوابق العلوية، في العام 2012 حين دخل المسلحون لمدينة حلب فكان حي بستان القصر آخر نقطة للمسلحين، وموازية تماما لمنطقة المشارقة.

تحول اوتوستراد عمر بن عبد العزيز إلى السيف الذي قسم مدينة حلب إلى مدينتين حسب ما روج له حينها.

وقام الحلبيون عل مدى سنتين، بقطع الاوتستراد و “كأنو مافي شي” بين “الغربية” و “الشرقية” ، عبر ما صار يعرف بـ “معبر بستان القصر”.

ذاع صيت المعبر بين الحلببين ، فصار حديثهم اليومي “رحت من المعبر وجيت من المعبر” ، و ذهب الكثير من “الحلبية” الى المعبر، فقط لكي يتفرجوا “شو هاد المعبر”.

كان على الموظفين والطلاب قطع المسافة يومياً بين ضفتي المعبر، الجميع يعرف تماما مواعيد القنص ومواعيد السوزوكيات واصحاب البساطات على طرفي المعبر.

معبر بستان القصر، هو عبارة عن شارع محاذ لجامع حذيفة ابن اليمان حين تصله من جهة المشارقة، يبدأ بشارع يكسوه التراب بعض الشيء وبضعة كتل ترابية مرتفعة قليلا موزعة بين اليمين واليسار عليك عبورها بشكل متعرج.
.
من مر من المعبر يعلم بأن المشهد يبدو عاديا بعض الشيء ولكن بضعة أمتار أخرى بعد الكتل، سيكون المشهد أوضح، فيرى القادم سورا من أكياس الرمل وعلى الجانب الأيمن معبر لدخول الأفراد، والأيسر لخروجهم.

حين تود الدخول لبستان القصر غالبا سيكون عليك إظهار الهوية الشخصية ودفتر العسكرية للمسلحين، ستتعرض لبضعة أسئلة، و “أهم شي ما يشوفوا الدخان وقت التفتيش” ، بالمقابل تخلع معظم النساء البرقع بعد عبورهن باتجاه مناطق الحكومة، وغالبا ما يتبعن ذلك بالبصاق.

آلاف “الحلبية” كانو يعبرون المعبر أسبوعيا، هروب يومي من الموت على يد القناص “الشبح” الذي يستهدف المعبر، والذي كان يتسلى بالموت وينعشه رؤية الفقراء الهاربين من رصاصة حقده.

رابطت العديد من الفصائل الإسلامية المسلحة على المعبر حتى حصار مدينة حلب عام ٢٠١٣ ، الذي فرضه المسلحون لخنق ابناء حلب في مناطق سيطرة الحكومة، و قامت فيما عرف ب “الهيئة الشرعية” حينها بتشكيل إدارة سميت “بإدارة المعبر” .

أهل حلب المحاصرين و الجياع في رمضان عام 2013 كان عليهم التوجه لبستان القصر من أجل شراء قوت يومهم حتى البنزين والمازوت الواصل من شرق سوريا كان عليهم شراؤه من هناك.
.
في البداية كان الأمر سهلا نسبيا، “بتروح اذا ماجابك القناص بتجيب غراضك وبترجع ، حتى انتبهت إدارة المعبر “الرحيمة” أن المعبر يمكن أن يتحول للدجاجة التي تبيض ذهبا فتم فرض جمرك على إخراج الحاجيات من حلب إلى حلب.

الملايين التي دفعها الحلبيون على المعبر أشعلت الخلاف بين الفصائل للسيطرة على المعبر، حيث أن السيطرة على المعبر تعني الحصول على تلك الملايين يوميا لصالح الفصيل المسيطر.

الشهداء الذين يسقطون في الاحياء الغربية لحلب، نتيجة القذائف التي يرسلها المسلحون من فوق المعبر، كانت تعود بالرزق عليهم ، على شكل جنازات متوجهة نحو المقبرة الإسلامية شرق المدينة، عن طريق المعبر حصراً “.

تقف الجنائز عند المعبر أمام أصحاب الذقون الصفراء يسألون بالفصحى دائما “من انتم؟” ويحاولون التأكد من أن الجثة ليست لجندي من الجيش العربي السوري .

ووجد عشرات الاطفال المحرومين من التعليم، إلا من الشرعي، في القسم الشرقي من المدينة، عملا، بامتلاكهم لعربيات تنقل البضائع بين الضفتين .

و بعد وقت قصير، قرر بعدها “أمراء المعبر” منع الحلبية من نقل البضائع من شرق المعبر إلى غربه، ورفعت اللافتة الشهيرة حينها والتي عُلقت فوق باصين للنقل الداخلي، واحد احمر، وواحد اصفر “يمنع خروج كافة المواد التموينية و الأدوية و المحروقات والزيوت ومستلزمات الأطفال والحليب ومشتقاته والخضار واللحوم والخبز… منعا باتا

عاش الحلبيون الاف قصص الإذلال اليومي ، نساء ورجال وشباب، وحتى أطفال، كانوا يعاقبون من قبل عناصر المعبر بالضرب المبرح إذا ما تم اكتشاف تهريبهم لأي مادة من تلك المواد من “حلب المحررة” إلى مناطق “سيطرة النظام”.

لم يكن وجود الاطفال في الجانب الغربي من المدينة سببا كافيا لحصولهم على الحليب وهم اطفال “مناطق النظام”.

قام بعض “الحلبية” حينها بصناعة احزمة من اللحم والخبز تشبه تلك التي يستعخدمها الانتحاريون للمرور بها.

العديد من المرضى الواجب علاجهم خارج حلب لم يستطيعوا اكمال اعلاجهم او حتى الحصول عليه لخطورة المعبر واسياد المعبر.

قررت الحكومة السورية عام 2014 إغلاق المعبر من طرفها فصار عبور الاوتوستراد يكلف أكثر من 200 كيلو متر سفرا حتى اليوم .

احتفل أهل حلب كثيرا ليلة 12-12-2016، حتى أولئك المحاصرين في الجهة الشرقية، ليس لان حلب عادت تحت سيطرة الجيش العربي السوري، بل احتفالا بسقوط أيقونة تقسيم حلب “معبر بستان القصر” فلا شرقية ولا غربية كما أرادها الغرباء بل حلب واحدة كما أرادها أهلها.

 

فراس جليلاتي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى