فلاش

قلعة حلب .. رمز المدينة التاريخي

ترتبط مدينة حلب تاريخيا بقلعتها , فلا يمكن لأي شخص أن يذكر مدينة حلب دون أن تكون الصورة الأولى البادرة إلى ذهنه هي صورة القلعة الواقعة في وسطها والمطلة على كافة أرجائها, مما جعلها من أبرز المعالم التاريخية في العالم حتى ادراجها في لائحة منظمة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي عام 1986.

ويعود تاريخ قلعة حلب إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وتحتضن كثيراً من آثار العهود التي مرّت بها منذ أن كانت حلب مملكة عمورية اسمها “يمحاض” قبل الغزو الحثي في القرن 16ق.م. حيث بُنيت فوق تلة (أكروبول) نصفها اصطناعي لرفعها عن مستوى المدينة.

وسيطر الآشوريون على القلعة بعد انحسار الدولة السور-حيثية في فترة امتدت ما بين القرن الثامن قبل الميلاد حتى القرن الرابع قبل الميلاد، حيث سيطرت الإمبراطورية البابلية الحديثة عليها وتلاهم الفرس ما بين (539-333) قبل الميلاد.

وحكم القلعة سلوقس نيكاتور الأول، الذي قام بإحياء مدينة حلب تحت اسم بيرويا ,حيث وجد في بعض أجزاء القلعة بقايا مستوطنة هلنستية, وبعد خلع الرومان للسلالة السلوقية في عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة بومبيوس الكبير، نال التل الذي تقوم عليها القلعة أهمية دينية إثر زيارة الإمبراطور جوليان إلى المدينة عام 363 م وتقدّيمه أضحية للرب في القلعة.

وضمت مدينة حلب إلى بيزنطة عند تقسيم الامبراطورية الرومانية في عام 395 م. وخلال حروب البيزنطيين مع كسرى الثاني ملك الدولة الساسانية في القرن السابع ميلادي لجئ سكان حلب إلى القلعة لأن سور المدينة كان في حالة يرثى لها.

ودخل المسلمون قلعة حلب عام 636 م بقيادة خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، عقب سيطرة المسلمين على أحد أبوابها. وخلال العصر الإسلامي كانت حلب مدينة حدودية على حواف الدولة الأموية والدولة العباسية.

وحكم الأمير سيف الدولة الحمداني مدينة حلب عام 944 م، وأصبحت القلعة مقر سكنه وحكمه المزدهر, وبقيت القلعة تقاوم البيزنطيين ومن بعدهم الصليبيين، وظلت حصن المسلمين القوي في شمال سورية, وكذلك فعل “المرداسيون” (1025-1079).

وزاد اهتمام نور الدين زنكي بالقلعة خلال الحكم السلجوقي للمدينة، وبنى فيها كثير من المباني، ورممها وبنى فيها قصراً ومسجداً وأصبحت مقراً لحكمه وإقامته، وجدّد حصونها وغطى سفح التل بالحجارة فبلغت أوج ازدهارها.

ويرجع المؤرخون تطور القلعة العسكري كما تظهر في يومنا هذا إلى عهد الظاهر غازي بن صلاح الدين الأيوبي بين عام 1193 و1215. حيث قام بإعادة إعمار كبرى للقلعة، وإضافة هياكل جديدة أدت بمجملها إلى شكل القلعة الحالي.

وغزا المغول وعلى رأسهم هولاكو مدينة حلب عام 1260م، واحتل القلعة بعد حصار شهرين فخرّب أسوارها، ودمّر أبنيتها, إنتقاماً للهزيمة التي لحقت بالجيش المغولي في معركة عين جالوت، ولكنها رممت في عهد الأشرف خليل بن قلاوون عام 1292م، ثم دُمّرت ثانية على يد تيمورلنك عام 1400م.

وجدد الملك الناصر بن برقوق أجزاء من القلعة وشيّد سورها وبنى قصراً فيها عام 1415م. كما رُممت أيام السلطان قانصوه الغوري آخر المماليك، ثم أهملت في زمن العثمانيين وبقيت كمربط للجنود العثمانيين وأُصيبت بالدمار من زلزال 1828م.

وقام الحاكم العثماني آنذاك إبراهيم باشا آنذاك باستخدام حجارة المباني المدمرة في القلعة لبناء ثكنة إلى الشمال من القلعة، تم ترميمها فيما بعد تحت حكم السلطان عبد المجيد في 1850-1851 م.

وبدأ الفرنسيون عمليات التنقيب الأثرية وأعمال ترميم واسعة في داخل ومحيط القلعة في الثلاثينيات من القرن الماضي, واستمرت مرابطة الجنود في القلعة في عهد الانتداب الفرنسي حتى استقلال سوريا لترمم وتصبح مزاراً للسواح.

بقيت قلعة حلب صامدة في وجه محاولات المسلحين المتشددين خلال سنوات الحرب الخمس التي سعت وبشكل ممنهج إلى تدمير وتخريب المواقع الأثرية في حلب القديمة حيث استهدفت قلعة حلب وسورها لأكثر من مرة خلال العام الماضي عبر تفجير أنفاق في محيط القلعة، وبقذائف هاون.

وتعرضت البوابة الخارجية من الطرف الجنوبي للقلعة وجانب من سورها لأضرار إثر استهدافها عدة مرات من قبل المسلحين المتشددين خلال محاولاتهم الاستيلاء على القلعة.

آخر الاستهدافات لقلعة حلب كانت خلال الانسحاب الأخير لهم من أحياء حلب القديمة، وفي السابع من الشهر الجاري التقت وحدات من الجيش العربي السوري العاملة في محور المدينة القديمة بعناصر حامية قلعة حلب من جهة باب القلعة الرئيسي ليعلن تامين كامل محيط قلعة حلب.

لتغلق بذلك فصل جديد من قصص قلعة حلب كرمز للمدينة وصمودها، وتستخدم كشعار لجامعة حلب وشعار محافظة حلب كما تظهر القلعة على عدة قطع نقدية سورية.

حمزه العاتكي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى