يا رايحين ع حلب .. بكرة منجي يا عيوني .. بقلم فرح يوسف
وما همّنا نحن إن كانت “الروزانا” في الأغنية الجميلة سفينة “عصمنلية” حمّلها المُحتَلّ عنبهُ وتفّاحه ورسا بها ميناء بيروت ليجوّع “الأشقاء” بحمولتها أم لاء ! فحلب تنتصر وعقد اللؤلؤ وهو مدينتها يكتمل بحبّاته ،ولا زال “العصمنلي” يحمّل سفنه المختلفة.
وما همّنها نحن إن كان بعض “الأشقاء” ينسون “الروزانا” ويتأففون من تفاحنا في أسواقهم، ويمحون من البال تجّار حلب، يوم اشتروا محاصيلهم وانتشلوهم من فقرٍ وجوع، فحلب تنتصر ودرّة الشمال تنفض الرماد المنثور في عيونها وتلمع فرحاً كماسة مدفونة.
وما همّنا نحن إن كانت “الروزانا” “طليانية” حمّلها “الطليان” في مجاعة 1914، كما يقول “جوجل” ، تفّاحاً أو عنباً أو سلاحاً أو موتاً، فبكل روايات حمولتها “حبّي معاها راح”، وحلب تنتصر وتنفض الرماد المتكوّم فوق رمل جسدها، فتصير زجاجاً لامعاً كالعيون الباكيات حزنا وفرحا في ريفها ومدينتها طيلة السنوات الخمس الماضيات.
أعوام تبخّرت وحلب تنزف أهلها وينزف أهلها حلب في قلوبهم، تقطر جمالها كرملٍ في ساعة، واليوم تصرخ حلب بأسئلتها في وجوه أحبتها، هنا فقدتَ حبيباً وهنا فقد حبيب لك جزءاً من روحه وهو يرافق الموت في أزقة المدينة وأحيائها، فإلى أي حلب “حبي معاكم راح” ؟
ويخبرك حلبي يضحك ساخراً في الشمال البعيد، مشينا دروباً طويلة في ليالي البرد و جِعنا وعطشنا ونزفنا حرفياً، نزفنا، ووقفنا “وحيدين” لا تدفئنا كلمات “الطبطبة” ودعوات الصمود، ولا تملأ “غالونات” مياهنا المفقودة أمنيات الصبر، فأي أمنيات تلك التي ستدفع لتاجر “أمبيرات” فاتورته الشهرية، وأي صبرٍ سيُرجِع أحبّتنا؟.
ومن يُنسي الحلبي أسابيع الجوع والحصار؟، ولكن ما همنا نحن فحلب تنتصر، وقوافل التهنئة ستسير آملة أن تمحي أثر قوافل الموت والرعب، وجحافل اللحى الزاحفة فوق ركام ما انهار تباعاً من جسد المدينة وصورتها في أذهان من بقي فيها.
وما همنا نحن إن كانوا لسنوات يحاولون معرفة مّا اقترفته “الرّوزانا” ف “شو عملت الروزانا” لم يعد مهمّا، حلب تنتصر وترفع رأسها في وجوهنا كمرآة لنخجل، تنتصب “سيدة المدن” في وجوهنا لتجمّد الدّم في العروق.
وما همنا نحن إن كان صديقنا هناك لا يرغب بالموت “في الحلقة الاخيرة من المسلسل”، فحلب تنتصر واليوم لن نفكّر أن مئات ليالي الخذلان نام أهلها فيها على أمل واستيقظوا صباحاتهم على خذلان، وما همّنا إن كان من تركناهم فيها ليسوا من تركناهم فيها.
وما همّنا نحن إن كانت “روزانا” اليوم هي مجرّد أغنية وأن “حبّي معاكم راح” التي سمعناها في سنوات الحرب وأدمعت عيوننا مع تمايل رؤوسنا شوقا، وما همّهم إن بعثنا لسنوات أمنياتنا اللذيذة بأن يحملنا “الرايحين عحلب” في جيوبهم وجعباتهم.
وما همّنا نحن ف “بكرة منجي يا عيوني” ، وسنخبر من تركناه حبيس حرب أحرقت الأخضر في روحه وتركته يقتات على اليابس، يقف وحيدا، وما همّنا فنحن سنخبره أن “الرابح يقف وحيداً” و “يقف المنتصر وحيداً” ليست مجرد ترجمات مختلفة لاسم رواية، بل هي يوميّاته في سنوات الحرب والخذلان.
وما همّنا نحن فما حفظناه من صور هو في بالنا، وما حفرته حجارة أزقتها على كعاب أقدامها حفرته، وما همنا نحن إن كانت شوارعها ليست شوارعها، وأن روح أهلها ليست روح أهلها، فسيدة المدن سيدتها لو قصّ ألف مارق خصل شعرها.
فرح يوسف