العناوين الرئيسيةمن كل شارع

ماذا يأكل السوريون: المائدة الدمشقية تفقد دسمها .. بين الفاسد والمغشوش و”الأخضر”

“كثيراً ما يأكل أولادي الثلاثة في وجبات الفطور والعشاء الجبنة واللبنة دون إضافات أخرى من الحواضر، ويكونوا محظوظين حين يتوفر لهم الزيتون والحلاوة والزعتر”، هذا ما تقوله أم مصطفى التي تقيم في حي شعبي في دمشق وتدفع 50 ألف ليرة سورية أجرة منزلها.

وتتابع “لا قدرة لي على شراء المسبحة والفلافل والبيض لتزيين وجبة الإفطار كل يوم، نوفر هذا ليوم الجمعة، أما الغداء فإنني اشتري ما تيسر من حبوب أو خضار ولا نكثر من اللحوم”.

فيما تقول “ولاء” التي تنتمي إلى عائلة متوسطة الدخل بالمعايير السورية حالياً، وكانت سابقاً أقرب إلى العائلات الميسورة إنها امتنعت عن شراء اللحوم، وفي الحالات النادرة فإنها تشتري بالأوقية، فيما كانت سابقا تشتري اللحم بالكيلوغرامات شهرياً.

السيدة “أم سامي” اعتادت في السنوات الماضية على إقامة الولائم لأقربائها وصديقاتها كما شرحت في حديثها لتلفزيون الخبر، إلا أنها عادت وأضافت: “كانت العزائم في السابق تحوي عدة أصناف طعام، اليوم صنف او اثنين فقط، ولكن أساساً لم تعد موجودة هذه الطقوس اليوم، فعزيمة واحدة تعادل ربما أجار منزل لشهر”.

وتضيف: “كان طبق السلطة والشوربة من الأساسيات على مائدة الطعام، اليوم قد نكتفي بوضع صحن (خيار أو فليفلة إن وجد) إلى جانب وجبة الغداء الرئيسية”.

الوجبة الرئيسية دفعت أم سامي لتعقب بالقول: “الوجبة الرئيسية اعتدنا على أن تكون كمية اللحم أو الدجاج فيها كبيرة، لكن اليوم يمكن أن نقسم الفروج لطبختين أو ثلاثة، ونستعيض عن أكلات اللحوم بأكلات خضار وهي ليست أرخص بكثير”.

حيث وصلت أسعار اللحوم في دمشق إلى أرقام فلكية قياساً بدخل المواطن العادي أو الموظف الحكومي، وهو ما جعل من وجودها على مائدة السوري أمر شبه مستحيل.

فحسب النشرة التي أصدرتها مديرية التجارة وحماية المستهلك في دمشق وجمعية اللحامين، بلغ سعر كيلو هبرة الغنم 9500 ليرة سورية، وكيلو هبرة العجل 9 آلاف ليرة وهو ما يعادل أجر موظف متوسط لخمسة أيام.

ولم يقتصر الارتفاع على اللحوم ومشتقاتها الحيوانية، والذي فرض غيابها القسري عن موائد السوريين أن يكونوا نباتيين بالإكراه، بل طال كل السلع الغذائية الأساسية، ومنها الخضار والفاكهة والحبوب.

فبحسب تسعيرة تموين دمشق، وصل سعر البندورة إلى 275 والبطاطا إلى 250، والبصل بين 250 لـ400، الخيار والكوسا 350، الباذنجان بين 200 لـ275، والبطيخ بحوالي 250 ليرة سورية، الفروج الحي الكيلو بـ 3500، وفي الأسواق العادية لا يمكن التنبؤ بالمبلغ المضاف على الأسعار الحقيقية.

سعر الصرف:

“الأخضر يشتعل” عبارةٌ يتداولها باعة دمشق منذ أن ناطح الدولار حاجز الـ2000 ليرةً في السوق السوداء، فتحوّل الدولار، الذي يعرف بـ”الأخضر” إلى مفترسٍ فأكل الليرة والسوق معاً.

و انفلتت الأسعار من عقالها، لدرجة أن البقدونس صار يسعّر بالدولار، ولترتفع، مع ارتفاعات الأسعار، درجة حرارة المستهلك إلى حدّ الحمى.

وبدا التأثير الجليّ لارتفاع سعر الدولار على الأسواق مباشرةً، فقد ارتفعت خلال الأشهر الأربعة الأخيرة أسعار السلع والمواد الغذائية بنسبة 200% دفعة واحدة، ويختلف سعر السلعة الواحدة بين سوقٍ وآخر، حسب درجة “التأثير النفسي” في الأسواق.

ويؤكّد بعض التجار في حديثهم لتلفزيون الخبر أن ارتفاع الأسعار سببه ارتفاع سعر الصرف، وارتفاع أجور شحن البضائع، وارتفاع سعر المازوت ويلقون السبب في كلّ ذلك على الحكومة التي أسهمت في رفع أسعار كل هذه المواد، إضافةً إلى تأثيرات الأزمة في السوق.

الفساد:

لحم فاسد، طحين مغشوش، أغذية أطفال ملوثة، وضبوط كثيرة لمخالفة رفع السعر والاحتكار، لا يكاد يمر أسبوع دون أخبار عدة عن اكتشاف أو مصادرة أغذية منتهية الصلاحية في الأسواق، فماذا تبقى لمائدة السوريين؟

وصل الفساد والغلاء لمائدة السوريين وأصبحا معاً مرضاً مستعصياً ينتشر في الأسواق ويطال معظم المواد الغذائية وغير الغذائية في آن معاً.

فمثلاً، بتاريخ الـ20 من آب، نظمت حماية المستهلك 137 ضبطا تموينيا في دمشق بمخالفات عدة، وفي ريف دمشق أكثر من 35 ضبطا تموينيا في الفترة نفسها تقريباً، وقبلها بيوم 87 ضبط، وقبلها بيومين 48 ضبط والأرقام تكثر.

هذه الأسباب مجتمعة اعتاد السوريون على سماعها منذ 10 سنوات، متوقعين أن يأتي اليوم الذي يحمل معه حلول لتلك المشاكل لكن العكس تماماً هو ما يحصل، فبعد كل ارتفاع نعتقد أنه الارتفاع الأخير، يعصف بالأسواق ارتفاع آخر.

وإن كانت الطبقة الوسطى قد غيرت الكثير من عاداتها ومن نمطها الغذائي من خلال التقشف وشد الأحزمة في السنوات الماضية، فإن الشرائح الأدنى، والتي تمثل القطاع الأوسع من الناس، باتت تعيش هاجس يومي يتمثل في عجزها عن تأمين وجباتها الثلاث.

غنوة المنجد _ تلفزيون الخبر _ دمشق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى