عيادات متنقلة على الإبل وحيل ذكية لمحاربة الاحتكار.. كيف واجهت بلادنا قديماً الأوبئة ؟
لم يخلُ زمن من وباء أو كارثة، واختلف تعامل الناس والحكومات أو ذوي الشأن معها، باختلاف الزمن والامكانيات المتاحة، وخصوصية الشعوب التي حل بها.
ونشر موقع “ساسة بوست” مجموعة من الطقوس التي اتبعتها عدة بلدان في حقب تاريخية مختلفة، في مواجهة ما مرَّت به من أوبئة، ومحن، وبلاء، نقلاً عن رحالة أو كتاب عاصروا تلك الفترات وأرّخوها.
شهد الرحالة ابن بطوطة «الطاعون» الأعظم في دمشق، وحكى عنه في ذكر وصف «مسجد الأقدام» الواقع قبلي دمشق، إذ اجتمع فيه أهل البلد على اختلافهم، ذكورًا وإناثًا.
وخرج اليهود ممسكين بتوراتهم والمسيحيون بإنجيلهم، والمسلمون بالمصاحف، والجميع متوجهين إلى مسجد الأقدام، مصلين وذاكرين وداعين الله بزوال الغمة.
ويشير ابن بطوطة إلى أن الجميع خرجوا باكين متضرعين إلى الله بكتبهم وأنبيائهم، كبارًا وصغارًا، خرجوا على أقدامهم وشاركهم الأمراء حفاة، وأقاموا في المسجد ليلة، وذلك في الوقتِ الذي كانت فيه الجثث تلقى في شوارع القاهرة بمقدارِ 24 ألف في اليوم، من جراء تفشي “الموت الأسود”.
وظل الطاعون يأتي ويذهب على بلاد الشام، مدة 150 عامًا، حتى أن هناك قرى كثيرة ذكرت في سجلات الطابو العثمانية بـ”خراب وخالية”.
ويذكر “ابن تغري بردي” في كتابه “النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة” إنه حين بلغ مرض «الطاعون» ذروته في كل أنحاء العالم، وتأثرت البلاد الإسلامية بهذا الوباء الذي فاق وصفه، فانتشر الغلاء بفارس، والعراق، وديار بكر، وأذربيجان، وخراسان.
وكثر الوباء والفساد في مصر والشام، حتى تساقطت الجثث في الشوارع، واضطر الناس لعمل التوابيت وتغسيل الموتى دون أجرة، وحفروا المقابر، وكان القبر الواحد يدفن فيه أكثر من 43 جثة، وعم الغلاء الأرض شرقًا وغربًا.
ووصف الدكتور “اسماعيل راجي” في كتابه “الحضارة الإسلامية” مشافي متنقلة على ظهور الإبل، متخصصة في الطوافِ حول القرى والمدن، لمعالجة ضحايا الأوبئة والكوارث، وذلك في قافلة كبيرة تضم الأسّرة، والأطعمة، والماء، والأدوية”.
مضيفًا: “كان للمستشفى المتنقل امتياز إقامة مرافقة داخل السجون، وذلك للعناية بالمساجين والحراس”.
ويشير الدكتور طه عبد المقصود، في كتاب “دراسة في تاريخ العلوم الإسلامية”، إلى أن «البيمارستانات» المتنقلة كانت مزودة بكل ما يحتاجه المرء من الأدوية والأدوات الطبية، وأنها استخدمت أساسًا في الحروب لضرورة معالجة المصابين بسرعة، وتقليل الخسائر.
ويذكر ابن تغري بردي في المجلد الرابع عشر من “النجوم الزاهرة”،أنه “كان غلاء أسعار الغلال أمرًا متكرر الحدوث ما إن تقع الكارثة أو المحنة والبلاء؛ إذ ارتبط الغلاء بأوقاتِ القحط والمجاعة، كما ارتبط بانحسار النيل، وعظم أمره أثناء تفشي الأوبئة، وهو الأمر الذي كان يجعل الأوبئة والمجاعة متلازمين إلى حدٍ كبير.
ويأتي ذكرهم في الأحداث التاريخية ذاتها، فيقول المؤرخون: “وانتشرت الأوبئة والمجاعات، وعم الغلاء في الأسواق»، دون ذكر تفاصيل عن كل شدة على حِدَة، يتفشى المرض وتشح الغلال لقلة الفلاحين، ويصبح الخبز حلمًا صعب المنال؛ فيجوع العامة والفقراء.
ويحكي المقريزي عن «الشدة الكبرى» في عهد المستنصر بالله الفاطمي، فيقول إن امرأةً من أرباب البيوت باعت عقدًا لها قيمته ألف دينار واشترت به تليس من الدقيق – والتليس هو وعاء من الخوص يشبه القُفَّة – فلما أخذته، أعطت بعضًا منه لمن يحميها طول الطريق.
وعلى مقربةٍ من باب زويلة تسلّمت التليس من الحماة، تكالب الناس عليها ونهبوها، فأخذت ملء يديها دقيق، عجنته وسوته حتى صار «قُرصة»، ومن ثم خرجت بها بين جمعٍ من الناس ورفعتها قائلة: «ادعوا لمولانا المستنصر الذي أسعد الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقومت هذه القرصة بألف دينار!».
يقول المقريزي إن تلك الحادثة قد تركت أثرًا في نفس الخليفة، حتى إنه استدعى الوالي وهدده إن لم يظهر الخبز في الأسواق؛ سيدقُّ عنقه.
ويضيف: جمع الوالي تجار الغلة والخبازين والطحانين، وكان قد أمر بعقدِ مجلسٍ عظيم، قبل المجلس أحضر الوالي مجموعة من الجُناة المحكوم عليهم بالإعدام.
وفي حضرة التجار والطحانين أدخل واحدًا واحدًا من الجناة وقد ألبسه ثوبًا فخمًا، ونفذ فيه حكم الإعدام، حتى خاف محتكرو الغلال على حياتهم؛ فوعدوه بأن يعمروا الأسواق بالخبز؛ ويرخصوا الأسعار على الناس.
ويؤرخ الباحثون طقوس أخرى، لازالت متبعة حتى أيامنا، مثل اللجوء إلى صلاة الاستسقاء في زمن القحط والجفاف.
تلفزيون الخبر