كنوز إدلب التاريخية ضحية أخرى للحرب
توجد في شمال غربي سوريا أكبر مجموعة من الكنائس على المستوى العالمي وتعود إلى القرن الرابع والخامس والسادس الميلادي، أكثر من 2000 كنيسة تنتشر على مساحة مئات الكيلومترات في مئات الحواضر التي كانت تنبض بالحياة خلال المرحلة البيزنطية الأولى.
وبحسب شبكة “BBC”، تمثل هذه الكنائس مرحلة الانتقال من الوثنية الرومانية إلى الأيام الأولى من المسيحية، إذ تقدم أدلة فريدة عبر النقوش على الحجارة التي بُنيت بها على تأثير العمارة السورية على التطور اللاحق الذي طرأ على الطراز المعماري الروماني الأوروبي وعلى الهندسة المعمارية الدينية القوطية.
وكانت وزارة السياحة أطلقت قبل عام 2011 اسم المدن المنسية على أثار هذه المنطقة على أمل أن يشجع ذلك قيام زوار حالمين بزيارتها.
وكانت هذه المدن منسية، إلى درجة أن منظمة اليونسكو لم تدرجها في قائمة التراث العالمي إلا في حزيران عام 2011 إذ أطلقت عليها اسم القرى القديمة في شمال سوريا.
ولا يزال النموذج الأولي لكاتدرائية نوتردام المحبوبة في فرنسا والمعروف باسم قلب اللوزة قائما على قمة تلة نائية في المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل الإرهابية في إدلب، بواجهتها المألوفة المكونة من برجين يحيطان بمدخل ضخم.
وبنيت هذه الكاتدرائية من الحجر الكلسي المحلي حوالي عام 460 ميلادي، ونجت من ويلات الحروب، والزلازل، ولم تحتاج إلى دعامات على مدى أكثر من 1500 عام.
واشتهرت باسم قلب اللوزة وصُمم مدخلها المزخرف للترحيب بالحجاج المتحمسين وهم في طريقهم إلى سماع عظات القديس سمعان العمودي المتقشف على عموده والذي كان يعيش على مبعدة مسيرة يوم واحد نحو الشمال الشرقي.
وكان القديس سمعان العمودي، وهو ابن مزارع محلي، أشهر ناسك عصره، إذ انتقل من كهف إلى عمود “ستيلوس” هرباً من الجموع التي كانت تطارده.
وعندما مات في عام 459 بعدما عاش 36 عاما على قمة عموده، أمر الإمبراطور البيزنطي ببناء أربع كنائس وبيت للمعمودية لتخليد ذكراه.
وشكَّل مُجمع كنيسة القديس سمعان العمودي الذي تم الانتهاء منه في عام 490، معلما تاريخيا بحق في ذلك الحين، إذ كانت أول كنيسة تتوسطها قبة ولم تتفوق عليها من حيث العظمة في العالم المسيحي سوى كاتدرائية آيا صوفيا التي بُنيت في عام 537.
ومهدت المحارب المقوسة والزخارف المنحوتة بعناية بالغة على أعتابها، وأقواسها، وقوالبها، وواجهاتها السبيل أمام إدخال تحسينات معمارية في القسطنطينية وأوروبا لاحقاً.
وتحول مُجمَّع الكنيسة الرائع إلى موقع مراقبة للاحتلال التركي، كما تم الإبلاغ عن اختفاء تمثال ضخم لأسد مصنوع من حجر البازلت من موقع عين دارة، المعبد الذي يعود إلى المرحلة الحثية المتأخرة وكان بمثابة حارس للموقع لمدة 3000 عاما، وهناك خشية من أن التمثال تم تهريبه عبر الحدود إلى تركيا.
ويعرف معبد عين دارة بأنه مكرس لعشتار، إلهة الخصوبة في بلاد ما بين النهرين التي ذاع صيتها من خلال رواية أجاتا كريستي “لعنة عشتار” والتي تجري أحداثها في العراق.
وكانت كريستي تعمل في مجال التنقيب عن الآثار بشمال سوريا برفقة زوجها عالم الآثار، ماكس مالوان، وساعدت في إنقاذ الكثير من الكنوز القديمة التي كانت عرضة للخطر.
ودُمّر المعبد بنسبة 60% في كانون الثاني من عام 2018، عندما قصفت طائرات الاحتلال التركي المعبد في إطار عملية احتلال منطقة عفرين وطرد المقاتلين الأكراد منها.
الجدير بالذكر أنه وعلى مدار أكثر من سنة ونصف من الاحتلال التركي تعرّض أكثر من 92 موقعاً أثرياً في عفرين للنهب والسرقة، وتمّ تدمير 35 تلاً أثرياً فيها.
تلفزيون الخبر