” أربعينية” و”خمسينية”.. تقسيمات قدماء العرب لفصل الشتاء
قسّم قدماء العرب فصل الشتاء الذي يستمر 90 يوماً إلى قسمين، “أربعينية” و”خمسينية” وذلك تبعاً لعدد أيام كل منها، وهذه التقسيمات التي غالباً ما تصح، ترتبط بقصص من الموروث الشعبي تستمد منها اسمها كذلك، إلى جانب عدد من الأمثال المعروفة.
تبدأ الأربعينية (40 يوماً)، من 23 كانون الأول حتى 3 شباط، ويقال عنها في الأمثال الشعبية، “إذا ما عجبكم حالي ببعتلكم السعود خوَالي.
أما الخمسينية ( 50 يوماً)، فتبدأ من 4 شباط حتى 23 آذار، ويتكون هذا القسم من أربعة أقسام كل منها يسمى (سعد)، وجمعها (سعود)، وهي: سعد دبح او الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الخبايا، ومدة كل (سعد) منها 12 يوماً ونصف.
ويعتبر سعد الدابح كناية عن البرد الشديد الذي يحدث في فترته، ويُعبّر عنه بالمثل الشعبي “سعد دبح كلبو ما نبح وفلاحو ما فلح وراعيه ما سرح”.
أما “سعد بلع” فسميّ بهذا الاسم لأن الأرض فيه تبتلع ماءها، فتفيض الأنهار وتمتلأ الآبار، ويقال “بسعد بلع بتنزل النقطة وتنبلع”.
ويأتي “سعد السعود” ليَكسِر الجو برودته ويميل إلى الدفء “فيقول الناس “بسعد السعود بتدب الماوية بالعود وبيدفي كل مبرود”.
وفي “سعد الخبايا” تزهر الأشجار وتسرح الحشرات والأفاعي، ويدب في الأرض ربيعها “بسعد الخبايا بتطلع الحيايا وتتفتل الصبايا”.
ول “سعد” قصة تناقلها الأوّلون، فيُحكى أن شاباً يطلق عليه اسم “سعد” قرر السفر، وكانت الأجواء دافئة عندما قرر الخروج خلال فصل الشتاء، وقد نصحه والده بأن يحمل معه ما يدفئ به نفسه من البرد سواء من الفراء أو الحطب، إلا أن سعداً لم يستمع إلى نصيحة أبيه.
وبعد أن قطع سعد منتصف الطريق، تغير الجو فجأة وأصبح البرد قارساً فهطلت الأمطار الغزيرة والثلوج، ولم يكن أمام سعد سوى أن يذبح ناقته التي يملكها ليحتمي بأحشائها من شدة البرد. لذا سميت هذه الفترة التي تمتد من 1-13 شباط بـ “سعد الذابح”.
وبعد أيام شَعَرَ سعد بالجوع ولم يكن أمامه إلا أن يأكل من لحم الناقة، وبذلك أطلق على هذه الأيام “سعد ابلع”، وتمتد من 13 شباط إلى 25 منه.
وبعد أن انتهت العاصفة وأشرقت الشمس فرح سعد واحتفل بنجاته وسمي “سعد السعود ” الذي يبدأ من 26 شباط حتى 10 آذار”.
وقام سعد بعد ذلك، خوفاً من أن تتكرر العاصفة مرة أخرى، بصناعة معطف له من وبر الناقة، كما أخذ من لحم الناقة المتبقي، وسمي “سعد الخبايا” وهي الفترة الممتدة من 10 آذار-22 آذار وتصادف بداية الاعتدال الربيعي، وهكذا اكتسبت الخمسينية أسماء أقسامها.
وتعرف آخر أربعة أيام من شباط وأول ثلاثة أيام من آذار باسم “المستقرضات” وسميت بهذا الاسم لاستقراض شهر شباط، والذي يعتبر أقصر شهور العام، من شهر آذار كي يطول وقت نزول المطر.
وتسمى هذه الأيام السبعة أيضاً أيام العجوز، لأنها تقع في آخر الشتاء، ويكون البرد في أشده، والأمطار غزيرة، وفي المثل الشعبي يقول شباط لآذار: “ثلاتة منك وأربعة مني لنخلي العجوز تولي”.
وتنتهي خمسينية الشتاء ب”الأيام الحسوم”، والتي تبدأ من 11 آذار، وقيل في مدتها أنها 6 أو 8 أيام، وسُميت بذلك كونها أيام ذات برد وريح شديدة.
ويحكى في تقسيم الشتاء عن “سقوط الجمرات الثلاث”، ويقال تسقط الجمرة الأولى في 20 شباط، وهي جمرة الهواء، فيشعر الناس بدفء الهواء.
بينما تسقط الجمرة الثانية في 27 شباط، وهي جمرة الماء، فيشعر الناس بدفء الماء، والثالثة في 6 آذار، وهي جمرة الأرض، فيشعر الناس بدفء الارض.
ولاتزال التسميات الموروثة للفصل الشتوي تعتبر روزنامة للفلاحين، ومازال المزارعون يبرمجون أعمالهم في الحقول بحسب تلك التسميات التي سبقت “التسميات الهجرية والميلادية” للأشهر.
تلفزيون الخبر