“ألفونس برتيون” .. من شرطي يرتب ملفات المجرمين إلى مؤسس علم الأبحاث الجنائية المعاصر
مع ارتفاع معدلات الجريمة في أواخر القرن التاسع عشر في فرنسا، وعدم وجود وثائق الهويات الشخصية، فكَّر رجل الشرطة، “ألفونس برتيون”، بضرورة ابتكار نظام يساعد على تحديد شخصية المذنبين ومسح مسرح الجرائم.
ونجح برتيون بعد سلسلة من التجارب في وضع أسس علم الإجرام والجنايات المعاصر، المعروف عالمياً باسم “الأنثروبومترية” الجنائية.
وقبل أن يتجه “برتيون” المولود في باريس سنة 1853 إلى سلك الشرطة والبحوث الجنائية، درس عدة سنوات علوم الطب إلا أنه تخلّى عنها بسبب تدهور نتائجه وعدم رغبته فيها، وانتقل إلى العمل في مديرية شرطة باريس سنة 1879، كمنسق لملفات المجرمين.
ويقوم نظام “الأنثروبومترية” الذي ابتكره “برتيون”، على جملة القياسات الجسدية التي تختلف من إنسان لآخر وتميزه عن غيره، كطول القامة والأنف والأصابع، وعرض الكف وقياس القدم، وحجم الجمجمة والأذن.
واستطاع “برتيون” من خلال منظومة القياسات الفيزيولوجية، منح هوية جنائية خاصة لكل إنسان تسهّل عملية تحديد المذنبين بمسرح الجريمة، في ظل غياب وثائق الهويات الشخصية في تلك الفترة الأمر الذي سهل عليهم الفرار من قبضة الشرطة من خلال تغيير أسمائهم وأشكالهم بشكل مستمر.
وبهدف جعل النظام أكثر جدوى وفعالية، ابتكر “برتيون” لأول مرة في البحوث والتحريات الجنائية عنصر التصوير الجنائي المعاصر، من خلال التقاط صورة جانبية (بروفايل) لوجه المتهمين وأخرى أمامية مع تعديل الإضاءة لتوضيحها أكثر، وبالتالي يصبح لهم ملفاً متكاملاً يحتوي كافة بياناتهم الجسدية ما يسهل العثور عليهم.
وبعد إثبات نظام برتيون نجاعته، اتسعت رقعة استخدامه من باريس إلى كافة أنحاء فرنسا، ولتشمل لاحقاً أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية خلال بضعة سنوات، ليصبح واحداً من أهم الأنظمة التي تدرس في مدارس الشرطة.
ولم يكتف يرتيون بالعناصر السابقة التي وضعها في نظامه البحثي الجنائي وعمد إلى إضافة نقاط جديدة إليه مثل التقاط صور ساحات الجرائم بالتفصيل ورفع الأدلة منها لتحديد المجرمين.
ويعتبر برتيون هو أول من دعم اعتماد بصمات الأصابع في مطلع القرن العشرين موضحاً أهميتها الكبيرة في تحديد الجناة وتحويلهم إلى العدالة، حيث أنها تشكل دليلاً قاطعاً نظراً لما تستند إليه من أسس علمية.
يذكر أن برتيون أشار إلى أن بصمات الأصابع يمكن أن تساعد في تحديد الجاني سواء كان شخصاً واحداً أو عدة أشخاص، إضافة إلى تحديد جنسه وعمره، إلا أنه لم يتمكن من تطبيقها بسبب وفاته سنة 1911، الأمر الذي شكل نقطة ارتكاز قوية انطلقت منها البحوث الجنائية المعاصرة لتتطور إلى ما وصلت إليه اليوم.
تلفزيون الخبر