دور الأهل في علاقة الطالب بالمعلم .. بين من يدعمها ومن “يصب الزيت على النار”
يمتزج التبادل المعرفي والانساني في العلاقة بين المعلم والطالب، وتشكل طريقة تعاطي الطفل مع أول سلطة غير أبوية في حياته، ويبني على أساسها السلوك العام في تعاطيه مع محيط غريب، تحكمه إلى درجة كبيرة نظرة الأهل في الدرجة الاولى إلى المعلم.
ورغم الإجماع العام على أهمية عدم استخدام العنف في المدارس كوسيلة للتعامل، تأتي مبالغة الأهل في التدقيق على طريقة تعامل المعلم مع الطالب ضمن المدرسة، لتأتي بنتائج عكسية على العلاقة والعملية التعليمية، وتتفاوت “تعليمات” الأهل لأبناءهم حول طريقة تعاطيهم مع معلمهم بين مشدد على الاحترام، وغير مبال بسلوك ابنه في المدرسة عموماً.
ولأن “فيسبوك” وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي، أضحى منبراً للمحاكمة والإدانة، تطالعنا بين حين و آخر صور وأخبار متناقلة في غالبيتها، يظهر فيها تعنيف لطالب يدّعي أهله أن معلمته أو الموجه هو من قام بذلك، بناء على كلامه، للتوالى الادانات ودعوات “الأخذ بالثأر” بين الأهالي.
أحد الآباء أقر بأن زوجته وصديقاتها من الأمهات، قمن بإنشاء مجموعة خاصة في “فيسبوك” ليتبادلن الأخبار حول طريقة تعاطي المعلمات والمعلمين مع أولادهم الذين يدرسون في مدرسة واحدة.
وروى لتلفزيون الخبر “كل ما يحصل مع الطلاب في الصفوف يحكى ويُناقش على المجموعة المغلقة، وإذا ما ذكرت إحداهن أن معلمة ما قامت بتوجيه كلمة يعتبرنها مسيئة لأحد الطلاب، تنهال عليها الشتائم والتعليمات بأنه لا يجوز السكوت عما حدث، أي يتم التجييش ضدها باختصار”.
ويبدي الأب استياءه من هذا الإسلوب فيقول ” أتمنى أن يكون هناك جلسات توعية للأهل بهذا الخصوص، لا يجوز النيل من هيبة المعلم بأي حال، فإذا فقد الطالب احترامه لمعلمه، فقد نصف القدرة على تلقي العلم منه، فضلاً عن الوقت الضائع بين أخذ ورد”.
بدورها اعتبرت المعلمة منال أن ” يعتبر الأهالي اليوم أن أساليب التربية الحديثة تتطلب تعاملاً خاصاً مع الأبناء، ونحن لا ننكر ذلك، لكننا نتساءل في نفس الوقت عن مقدرا التزام وصبر الأهل أنفسهم في تعاملهم مع أبناءهم، بشكل دائم”.
وتضع أمل وهي أم لطفلين في المرحلة الاعدادية، حدوداً فتعتبر أن ” الضرب ممنوع وغير مقبول بالنسبة لي أبداً كأسلوب في المدرسة، وهذا ليس معناه أنني أقيم الدنيا ولا اقعدها إذا ما وجهت المعلمة كلمة قاسية لأحد أولادي، فجميعنا نعلم كم أن التعامل معهم صعب ومربك وبيطالع الخلق”.
وتوافقها ندى ” طبعاً هناك نوع من الكلمات مرفوض، وهو ما يتجاوز حد التربية، ومن الممكن أن يتم التفاهم بيني وبين المعلم على طريقة التعاطي مع ابني، دون أن أقلل احترامه واكسر هيبته أمام الطالب( الابن)، فهذا ليس بصالح الطفل بالدرجة الاولى”.
وتروي إحدى المعلمات عن حادثة جرت في إحدى المدارس، حين قامت الأم بإفهام ابنها بأنه في حال ضربه أحد معلميه عليه مغادرة المدرسة، وهذا ما فعله الابن ذي ال7 سنوات، حيث غادر المدرسة وحده إلى الشارع، بسبب تعليمات امه غير المسؤولة، التي عرضته للخطر”.
ومن وجهة نظر أحمد، أب لثلاثة أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، فإن ” كلام المعلم السلبي مع الطالب يترك أثراً سيئاً في نفسيته، ومن الضروري أن يبقى الأهل على اطلاع دائم بكل ما يجري داخل الصف، وما يقال للطالب”، معتبراً أن “هناك أساليب أخرى لمعاقبة الطالب المقصر أو الذي يتطاول على معلمه غير التعنيف الجسدي أو اللفظي”.
وتؤكد المرشدة النفسية “ثريا الموسى” على “ضرورة أن تأخذ كافة الجهات المعنية بالموضوع دورها الفاعل لبناء الثقة وعلاقة قائمة على الاحترام بين المعلم وطالبه، بدءاً من الإدارة إلى المعلم والأهل الذين يلعبون دور الموجه الأول لسلوك الطالب في مدرسته”.
وأضافت ” المشكلة أن هناك نوع من الأهالي يقوم بتربية ابنه على أنه دائماً محق، والبعض لا يتجاوب مع دعواتنا أو تبلغياتنا عن سلوك أبناءهم، بالمقابل هناك من المعلمين من يعتبر أن الطالب لا “يُعطى وجه” ويتصرف على هذا الأساس مع الجميع، والنتيجة مشاكل دائمة وسوء فهم يأخذ من وقت الدرس ويؤثر على العملية التعليمية برمتها”.
وبيّنت المرشدة أن “رفع وعي الأهل حاسم في هذه المرحلة، فهناك طلاب يكذبون على أهاليهم في بعض الأحيان، مما يدفع الأهل إلى أخذ موقف معاد للمعلم، وإثارة مشكلة أحياناً مع الإدارة أو المعلم نفسه بالاستناد إلى كلام لم يحدث، وكثيراً ما نشهد مثل هذه الحالات”.
وتعترف المعلمة راما بأنه ” من الصعب التعامل مع أبناء هذا الجيل، فاهتماماتهم وقيمهم مختلفة، خاصة بوجود أعداد كبيرة في الصفوف، وبعض المدرسين اعتاد على اسلوب معين في التعامل لايرضى تبديله، ولايتناسب مع عقلية جيل يملك تصوره الخاص عن الحرية والاحترام”.
وتتابع ” يلعب الأهل هنا دوراً بارزاً في تحديد هذه العلاقة ومسارها، فالاهل الذين يوجهون أبناءهم إلى احترام المعلم للإفادة مما يقدمه، يمنحون المعلم فرصة لعطاء أفضل ويهيئون الطالب لاستقبال ما يعطيه بشكل أفضل أيضاً”.
وتختلف سلوكيات الطلاب في المدارس فبعضها يستوجب عقوبات صارمة، حيث شهدت عدة مدارس خلال السنة الماضية حوادث اعتداء على مدرسين من قبل طلاب وأهاليهم في بعض الحالات، ما دفع وزارة التربية إلى تشديد العقوبات على المعتدين.
كما أصدرت وزارة العدل حزيران الماضي ، تعميماً بمنح المعلمين في المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية والتربوية السورية حصانة قضائية بوجه الشكاوي الكيدية بسبب مخالفات تنسب لهم ناشئة عن عملهم الوظيفي.
وكانت رئيس دائرة البحوث في مديرية تربية دمشق “إلهام محمد” أكدت في إحدى اللقاءات الصحفية بضرورة إتباع الأساليب التربوية المناسبة في التعامل مع المتعلمين وتطبيق النظام الداخلي لناحية تفعيل علامة السلوك لضبط بعض السلوكات السلبية.كما شددت على “- الحرص على استخدام ألفاظ تربوية مناسبة من قبل الأطر الإدارية والتدريسية وذلك لأنهم يشكلون القدوة والمثل الأعلى للأبناء المتعلمين”.
وبيّنت “وجوب التشديد على الموجهين التربويين والاختصاصيين وإدارات المدارس عدم توجيه التنبيه للمعلمين أو المدرسين أمام المتعلمين حرصاً على صورة المعلم القدوة والمثل الأعلى”.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر