لماذا تسمح الجدّات والأجداد لأحفادهم بفعل ما كانوا يمنعون أولادهم من فعله؟
تختصر قصيدة الشاعر أحمد شوقي ” لي جدّة ترأف بي” علاقة اجتماعية غنية بالتفاصيل الإنسانية الدافئة، فالجدة التي يصفها بأنها أحنّ عليه من أبيه، وتذكرّ الأب بأنه كان يرتكب الأخطاء ذاتها وهو صغير، تعامله ككل الجدّات بطريقة مغايرة عن طريقة تعاملها مع ابنها حين كان صغيراً، فلماذا تفعل الجدّات والأجداد ذلك؟.
كسرت لونا ابنة ال 5 سنوات ما لا يقل عن 6 أكواب زجاجية أثناء محاولتها تحضير “مفاجأة” لجدتها و “مساعدتها” على ترتيبها، حسب ما قالت وهي تشرح ما حصل، وفي الوقت الذي غضبت فيه الأم كثيرا من الطفلة، لم يصدر عن الجدة أي رد فعل سوى أنها احتضنت حفيدتها وقبلتها باسمة.
وقالت أم لونا ” أعرف مدى تعلق أمي بابنتي الصغيرة، لكنني فوجئت بردة فعلها، ولم أستطع كتم غضبي وإخفاء استيائي، وأنا أتذكر كم كانت ردة فعلها مختلفة لو كنت أنا أثناء صغري من قام بكسر هذا العدد من الكؤوس التي تحتفظ بها أمي منذ سنوات طويلة”.
تسامح الجدّات والأجداد أحفادهم على كثير من الأمور والأخطاء التي لم يكونوا يسامحون أبنائهم عليها اذ كانوا صغاراً، وتعزو أم علي ذلك إلى “عاطفة كبيرة تحملها تجاه أحفادها، أفلا يكفيهم صرامة أهاليهم وعقوباتهم وتوجيهاتهم؟”.
واعتبرت أم علي أن “الجدة في النهاية عليها أن تكون الحضن الحنون والدافئ، لتحافظ على محبة أحفادها، وتترك تربيتهم للأهل”.
وتوافق غادة على وجهة نظر أم علي فتقول ” تقع مسؤولية تربية الأولاد بالدرجة الأولى على الأهل، ومن الممكن أن يشارك الجدّات والأجداد فيها، لكن بطريقة مختلفة وبأسلوب مختلف، وهذا ما يجعل العلاقة مريحة أكثر للطرفين”.
وخلال السنوات الأخيرة ازداد ظاهرة الاعتماد على الجدّات في تربية الأبناء، نتيجة تزايد نسب النساء العاملات، وتفضيلهن بقاء أولادهم في عهدة أمهاتهن أو حمواتهن، خلال فترة العمل، حيث تشعر الأم بطمأنينة أكبر لدى وجود الطفل مع شخص تثق بأنه يرعاه جيداً وأكثر منها أحياناً.
على أن هذا الأمر لا يخلو من بعض السلبيات التي تؤثر في سلوك الطفل، فتأتي الجدّات في أحيان كثيرة ليسمحن للأطفال بما تمنعه الأمهات، الأمر الذي يؤثر على طبيعة علاقة الطفل بأمه ومدى استجابته لطريقة تربيتها، فترجح الكفة للجدة المتساهلة.
وتقول سلمى ” غالباُ ما تحصل مشكلة بيني وبين زوجي وحماتي بسبب هذا الموضوع، فيوم واحد يقضيه ابني معها كفيل بتخريب كل ما تعبت على بنائه في أسبوع، والنتيجة أنه اليوم أصبح يهددني بأن يذهب للعيش مع جدته، التي لا تعاقبه مثلما أفعل!”.
وليست كل الجدّات طبعاً من هذا النموذج، فجدة رامي “أصعب من أمه في بعض الأمور، وتتدخل كثيراً في علاقته بأمه بحكم سكنها معهم في المنزل نفسه، وتعترض على بعض مشاويره أو السماح له بالتأخر قليلاً عن العودة إلى المنزل”.
ويصف رامي ” يزعجني خوف جدتي وقلقها الدائم، أعرف أنها تفعل هذه بدافع محبتها، لكنها لا تستطيع تربية جيلين، يكفي أنها ربت أبي كما تريد”.
بدوره أبو حيان يقول ” عليّ أن أكون أقل صرامة مع حفيدي كي يجد ملاذاً حين يقسو عليه والديه، وهذا من طبيعة الحياة، ومن ناحية أخرى، أسعى لكسب محبته والحفاظ عليها، فالإنسان يصبح عاطفياً أكثر حين يتقدم بالسن”.
وأضاف الرجل الستيني ” بعد التقاعد أجد في الجلوس مع أحفادي متعة وتسلية كبيرة، وأحب أن أزودهم بخلاصة تجربتي في الحياة بطريقة محببة وليس بالفرض كما يفعل الآباء عادة، علينا مراعاة البعد الزمني بين جيلنا وجيلهم المختلف بطريقة تفكيره كثيراً”.
ولا يحظى أبو حسان بذات التجربة، فابنه سافر بعد الحرب وابنته التي تسكن في محافظة أخرى تأتي لزيارتهم في السنة مرة، الأمر الذي يجعل أحفاده بمثابة ” ضيوف، عليه أن يهتم بجعلهم سعداء ومرتاحين، بعيداً عن ممارسة الدور التربوي ” كما يقول .
يذكر أن الحرب في سوريا هدمت قيماً وعادات كثيرة، وغيرت من شكل العلاقات الاجتماعية بشكل عام، أسر كثيرة عادت لتسكن معاً، وأخرى تفرقت وتباعدت جغرافياً وعاطفياً، ويبقى لوجود الجد والجدة وقع خاص في حياة الكثيرين.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر