“العيدية” ليست ملزمة.. ما هو أصلها وهل أصبح لها “تسعيرة”؟
“العيدية” عادة معروفة لدى السوريين، كما هي بالنسبة لمعظم البلاد الإسلامية في عيدي الفطر والأضحى، وهي ليست ملزمة، لكنها عرف جميل، يحسب له الصغار خاصة حساباً، مثل اللباس الجديد والحلوى وباقي طقوس العيد.
ولا تقتصر “العيدية”على النقود فمن الممكن أن تكون هدية، على أن كلمة “عيدية” المترافقة مع العيد ومشتقة منه بالأساس، تأخذ صورة مبلغ مالي معين يحصل عليه الأولاد والأحفاد من الآباء والأمهات والأقارب عامة، وليس له قيمة محددة، فالحالة الاقتصادية العامة والخاصة تلعب دوراً هاما في تحديد مبلغ “العيدية”.
ورغم جمال هذه العادة وما تضفيه من بهجة خاصة مرتبطة بحلول العيد، تحولت في السنوات الأخيرة لتصبح لدى البعض وسيلة لإظهار الفارق المادي، أو التمييز بين الأطفال أو حتى سبباً للمشاكل وإثارة الحساسيات، مع طغيان الجانب المادي على رمزية “العيدية”.
ولدى الحديث عن “العيدية” من جانبها المادي، تثار “مواجع” وذكريات لدى كثيرين، يظهر أن “العيدية” لم تكن دائما بجانب واحد مشرق، لكنها كانت في بعض الأحيان سبباً للقطيعة والمشاكل بين الأقارب.
تقول داليا لتلفزيون الخبر “عندما كنا صغاراً كنا ننتظر العيد من أجل العيدية، وكانت دائماً حصة الصبيان أكثر من عيدية البنات لدى جدي، لم نكن نفهم لماذا، لكن الأمر كان يضايقني وأخواتي، واليوم يقوم عمي والد زوجي بإعطاء عيدية لأحفاد أولاده الذكور أكثر من عيدية أولاد بناته، التمييز بين الجنسين وصل للعيدية أيضاً”.
أما سلمى توقف أعمامها وأخوالها عن منحها “العيدية” بحجة أنها كبرت وأصبحت تعمل وتقول لتلفزيون الخبر “الفكرة إنو العيدية بحد ذاتا بتخليني اشعر بالعيد واني بقدر استرجع شوية شعور بالطفولة من خلال عيدية صغيرة ما الها قيمة مادية كبيرة أمام قيمتها المعنوية”.
يتباهى الأطفال بالمبالغ التي يجمعونها كعيديات طيلة أيام العيد، وهذا التباهي بحد ذاته يخلق مشكلة لدى بعض العائلات التي لا تسمح ظروفها المادية بزيادة المبلغ، خاصة مع حلول العيد خلال السنوات الأخيرة بوقت مقارب لقدوم المدارس وتجهيز المونة وغلاء الحلويات والضيافة بشكل عام.
ويقول أحمد، وهو أب لثلاثة أطفال “المشكلة الحقيقية في هذه الأيام أن الظروف تغيرت، ولم يعد بإمكان معظم الناس تقديم عيدية كبيرة ومرضية حتى بالنسبة للأطفال، خاصة عندما يكون عليك رد العيدية لأبناء أقاربك الآخرين، ولا يجب أن تقل عما قدموه لأطفالك”.
من جهته قدم سامي بسعادة وثقة قدم مبلغ 500 ليرة لابن أخته الصغير ذي الخمس السنوات، ليفاجئه بالرد ” بس خمسمية؟ هات ألف”، ويقول سامي ” كنت أظن أنه مبلغ كبير بالنسبة لعمره الصغير، لكن يبدو صار في تسعيرة لازم نلتزم فيها، وإلا منطلع بسواد الوجه”.
ولا ينسى قصي حين أحب أن يعايد حماته بمبلغ صغير أسوة بأمه، لتكون هذه العيدية وبالاً عليه إذ لم يعجب المبلغ حماته ولا خطيبته التي اعتبرت أنه أقل مما يجب، و” زعلت بسببها، وهالشي خلاني ما فكر اعطي عيدية لحدا كبير تاني مرة”، يقول متهكماً.
تبقى “العيدية” خارج الاعتبارات الاقتصادية خاصة بالنسبة للصغار، ومن غير المقبول أيضاً أن يتم رفضها، كما تعلم بعض الأمهات أولادهن بحجة عدم الحاجة، أو بذريعة “الإتيكيت” العصري لهن ولنمط حياتهن، فرمزية “العيدية” تستمد جماله من خصوصية المناسبة نفسها، فالعيد للكل.
ومهما قل مبلغ “العيدية”، يحرص الكثير من الكبار على تقديمه وأخذه أيضاً، فرغم أن سمر أصبحت أماً، لا تزال تنتظر العيدية من أبيها وزوجها أسوة بأولادها، وتقوم بدورها بإعطاء أمها وأبناء أخوتها وأقاربها الصغار “عيدية” لو صغيرة.
وعن أصل “العيدية” تذكر مصادر تاريخية أنها ظهرت لأول مرة في مصر في العصر الفاطمي على يد الخليفة “المعز لدين الله الفاطمي” الذي أراد أن يستميل قلوب الشعب إليه في بداية حكمه للبلاد، في صباح يوم العيد كان الخليفة يخرج على الرعية الذين يأتون للقصر وينثر الدراهم والدنانير الذهبية عليهم.
وعرفت “العيدية” في ذلك الوقت باسم الرسوم أو التوسعة، وكانت الدولة توزع النقود والهدايا وكسوة العيد على المواطنين ورجال الدولة كما كانت تهدي الدراهم الفضية للفقهاء وقراء القرآن الكريم.
وفي العصر المملوكي تحولت العيدية ليصبح اسمها «الجامكية» وهو اصطلاح فارسي يعني العطية المادية، وكانت تقدم على هيئة طبق به حلوى فاخرة ودنانير فضية أو ذهبية، يقدمها السلطان إلى الأمراء وكبار رجال الجيش والدولة، وتختلف قيمتها باختلاف رتبة الشخص ومكانته الاجتماعية.
وخلال حكم العثمانيين صار تقديم “العيدية” يقتصر على الأطفال في صورة نقود، بعد أن كان يتم تقديمها للأمراء ورجال الدولة والمواطنين، وصار الأب والأم والأقارب بدورهم يمنحون الأطفال نقود “العيدية” الجديدة بعد صلاة العيد مباشرة.
وبعد ذلك، لم تعد “العيدية” تقتصر على الأطفال فقط، فصار الرجال يقدمونها لأمهاتهم وأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم خلال زياراتهم ومعايداتهم في العيد.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر