” لاترموه بيلزم” ..كيف يستثمر السوريون أشياءهم القديمة ؟
في حديقة أحد المنازل حوض كبير أسطواني أبيض اللون متقشر الجوانب، تفوح منه رائحة نعناع منعشة، ويلزمك بضع ثوانٍ من التدقيق لتكتشف أنه ليس إلا غسالة قديمة، وجدت صاحبة البيت طريقة أخرى لاستثمارها بعد أن تعطلت، فزرعت فيها النعناع.
في بيوت السوريين كل العلب القديمة والطناجر وأي أداة مقعرة، تصلح للزراعة بعد إجراء بعض التعديلات عليها، كإضافة الورق الملون أو التفنن في تزيينها وملئها بالتراب وزراعة بعض الورود فيها.
ولا تعتبر هذه العادة جديدة على الأسر السورية، وليست الحرب والظروف الاقتصادية الصعبة هي من أوجدتها، ولو أنها زادت من وجودها، فدخلت أصناف جديدة ضمن “إعادة التدوير” المنزلي، بالاعتماد على ذكاء ربات البيوت وحُسن تدبيرهن.
وتحكي مريم لتلفزيون الخبر أن “لها جاراً عجوزاً أصبح يستخدم عربة أطفال قديمة، ربما كانت لأبنائه يوماً، لنقل جرة الغاز الثقيلة أو الخضار والخبز في بعض الأحيان إلى منزله”.
وتضيف مريم “يحزنني منظره بعض الشيء، فأنا أعرف أن لديه أحفاداً صغاراً، لكن أولاده مسافرين فلا يستطيع وضع أحفاده في العربة الجميلة القديمة، ولا يوجد لديه من يساعده في حمل الأشياء الثقيلة، ولا أستطيع أن أخفي إعجابي بطريقة استفادته من العربة مع ذلك”.
ولا يكاد بيت سوري يخلو من إعادة الاستفادة من الملابس القديمة بطرق مختلفة، فالملابس ترتق وتضيق وتوسع حسب الحاجة، وتتوارث بالطبع بين الأجيال، الأخوة وأحياناً الأقارب، وفي نهاية المطاف تتحول إلى ممسحة للغبار، المهم ألا يُرمى، ومن الممكن استثماره بشكل ما ولو بسيط.
وتشكو ريما عادة أمها تلك فتقول: “لدى أمي هواية الاحتفاظ بالأشياء القديمة، وغالباً ما تجد لها طريقة جديدة للاستعمال، حتى أنها أحياناً تقوم بكر الصوف القديم وإعادة استخدامه لصنع أوشحة وقبعات صوفية، دون الحاجة إلى شراء صوف جديد، خاصة بعد أن ارتفع سعر الأنواع الجيدة كثيراً، والقديم منه لايزال محافظاً على جودته وألوانه”.
في منزل هيلين إطار ساعة قديمة متوقفة، تحول بين ليلة وأخرى إلى إطار صورة عائلية، بطريقة جميلة، وتقول: ” لدى أختي ميل للاستفادة من الأشياء القديمة كلها، ويعزّ عليها أن نرمي شيئاً، ففي نظرها هناك دائماً طريقة لتحويله لشيء آخر جميل، وهي تقوم بذلك فعلاً”.
وتضيف هيلين “مرة وجدناها وقد جمعت كل الكراتين الصغيرة التي تأتي فيها الأحذية الجديدة، ولونتها وزينتها بطريقة ما، وصنعت منها خزانة حائط لنضع فيها أشياء صغيرة كالمقصات وأدوات المكياج والأمشاط وغيرها، وحتى علبة الحلوى المعدنية القديمة، التي تضع فيها أمي أدوات الخياطة، صنعت لها إطاراً من قماشة قديمة وزينتها فأصبحت بشكل آخر”.
وآخر ما يخطر في البال أن تسبب عملية إعادة تدوير ملابس قديمة الرعب، وهذا ما حصل مع لمى التي فوجئت مرة “بساقين” دون جذع يرتديان الجينز أمام إحدى المحال في منطقة باب شرقي.
وتقول لمى “في البداية خفت، وبعد لحظات اكتشفت أنهما عبارة عن بنطال قديم قام صاحبه بملئه بالتراب ووضعه كزينة أو تمثال ربما أمام محله، ولا أنكر أن منظره غريب وغير لطيف، حتى أنني صرت أتحاشى النظر باتجاه المحل عندما أمر في الشارع المستقيم”.
لا تنتهي الأفكار التي تبدعها النساء في الدرجة الأولى، لإعادة الاستخدام والاستفادة مما عطل أو أصبح قديماً بعض الشيء، ولأن الحاجة أم الاختراع، فلا بأس من التوفير ببعض الأشياء التي يكلف منها الجديد مالا يستحق، فيكون ثمنه غال ونوعه رديء.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر