“الفرح بالنجاة من الحزن”..مناسبات غير مألوفة للاحتفال أوجدتها الحرب في سوريا
في الحرب تفقد الحياة شكلها المألوف وتتغير الصور والمفاهيم وتنقلب الموازين الاجتماعية، لتصبح أكثر انسجاماً مع “الظروف الطارئة” وأكثر تعبيراً عنها، وخلال سنوات ثمان، غيرت الحرب من طريقة تعاطي السوريين مع الحياة “إذا ما استطاعوا إليها سبيلاً”.
فتحولت المناسبات التي كانت تستدعي الاحتفال والفرح، لتنقسم إلى شقين متوازيين، ففي الوقت الذي خفت فيه بهجة الأعياد والأعراس والنجاحات وغيرها، أو اقتصرت على حيز صغير من الوقت والناس، برزت مناسبات من نوع “الفرح بالنجاة من الحزن”، واحتلت مكانتها في قائمة التهاني والتبريكات.
منذ عدة أيام، احتفل وليد مع جمع من أصدقاءه وذويه بمناسبة مرور عام على انتهاء خدمته العسكرية، وهي مناسبة جديدة، تستدعي الاحتفال حقاً بنظر من عايش الحرب على جبهة القتال مباشرة، وأرفق صور احتفاله على “فيسبوك” بصورة له بالزي العسكري مذيلة بعبارة “تنذكر ما تنعاد”.
أم وليد تعترف بأنها “لم تعش في حياتها فرحاً يعادل لحظة وصول خبر تسريح ابنها الأكبر بعد سبع سنوات من الخدمة في إحدى المناطق الساخنة، وتقول ” مت وعشت ألف مرة خلال هذه السنوات، ولم أعش هذا الشعور حتى يوم مجيئه إلى الدنيا أو يوم نجاحه وزواجه، فهو اليوم عاد إلى الحياة”.
على ضفة مقابلة من مناسبات الحرب، احتفلت تغريد منذ عدة أشهر بصدور مرسوم الاستنفاذ لطلاب الجامعات، بعد طول انتظار، وقالت ” كانت حقا مناسبة للاحتفال بعد أن قطعت الأمل بصدوره وفكرت إنو راحت عليّ، عملت حفلة لرفقاتي وقرايبيني وكتير ناس باركتلي”.
لم تكن تغريد وحدها من احتفل بالمرسوم الذي طال انتظاره، طلاب عسكريون وآخرون لعبت ظروف الحرب دوراً في عدم تمكنهم من متابعة محاضراتهم أو وصولهم إلى أماكن الامتحان أحيانا، وجدوا فيه طوق النجاة للحصول على الإجازة الجامعية.
من جهتها “شيرين” الهاربة مع أسرتها من إحدى المناطق التي وصلها الإرهابيون فجأة، احتفلت بعودة زوجها بعد تأخره عنهم أيام وانقطاع الاتصال معه، وروت لتلفزيون الخبر ” هربنا من مدينة الطبقة بعد أن استيقظنا في أحد الأيام لنجد المسلحين صاروا قريبين جدا من مكان سكننا”.
وتابعت شيرين ” لم أتمكن يومها من حمل سوى بعض الأشياء الشخصية الخفيفة، وهربت مع بناتي في حين بقي زوجي ليحاول جلب بعض الأغراض، خاصة وأن الجيش كان يتصدى للإرهابيين مما أعطانا بعض الأمل بعودة قريبة، لكن وبعد ساعات انقطع الاتصال معه، وبقيت أكثر من أسبوع لا اعرف عنه شيئاً”.
وأكملت السيدة ” كانت لحظة عودته سالماً، أجمل لحظة في حياتي، وكانت تستحق الاحتفال حقاً، وزعت الحلوى يومها واستقبلت الناس، ولا يمكن أن أنسى هذه اللحظات أبداً”.
قصة مشابهة لقصة شيرين عاشتها أسرة “علاء” الذي خطف من قبل إحدى الجماعات المسلحة في حلب، وبقي لديهم سنوات كان مهدداً فيها بالموت في كل يوم، ليعود بعد أن دفع أهله فدية مالية، وتكون عودته ذكرى سعيدة في حياة عائلته.
وتتشابه حالة علاء مع حالات أخرى كثيرة، عاد فيها المخطوفون من الموت، لتصبح عودتهم بمثابة ولادة جديدة لهم، ومناسبة لا تعلوها مناسبة للاحتفال والفرح.
وبدورها تروي سعاد حكاية أخيها الذي نجا من تفجير سيارة على أحد الحواجز ” بعد خروجه من البيت بحوالي نصف ساعة سمعنا خبر تفجير على أحد الحواجز التي من المفترض أن يمر عليها في طريقه”.
وأكملت سعاد ” أصابني الخبر بحالة خوف وهلع شديد وحاولت ألا أظهر ذلك أمام والدتي، حتى أتمكن من الاتصال بأخي، والذي كان جهازه خارج التغطية، الأمر الذي لم يترك مجالا سوى للاحتمالات الاسوء في رأسي”.
وتابعت ” بعد نصف ساعة عاد أخي إلى المنزل، فكانت نجاته من موت محقق لو أنه تابع طريقه، من اشد اللحظات وقعاً في نفسي، ولا اعتقد أنني سأمر بلحظة تعطيني فرحا يعادل لحظة رؤيته”.
تركت الحرب ما تركت من أثر لا يمحى بسهولة في حياة السوريين جميعهم، ويحاولون اليوم بكل وسيلة جعلها “مرحلة عابرة” قدر الإمكان، علهم يستعيدون القدرة على الاحتفال والفرح وإحياء المناسبات كما اعتادوا.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر