“منلتقى بالتكيّة ..” .. ما حكاية “التكية السليمانية” بدمشق ؟
في منتصف دمشق، وإلى الغرب من ساحة الشهداء (المرجة) تقوم واحدة من الروائع الدمشقية، يجوبها الزوار وعشاق الأنتيك من فضة وحقائب وسجاد ولوحات فنية، وتشكل ملتقى طلاب الجامعات، فكثيراً ما يسمع العابر أحدهم يعقد موعده مع أصدقائه قائلاً: “منلتقى بالتكية”.
وتشكل أروقة التكية السليمانية المحاطة بالأشجار وأحراج الورد مستقراً مناسباً لمحال بيع الفضة والأنتيك والعباءات الشرقية والموزاييك، لتضيف هذه البضائع جمالية شرقية لجماليات أخرى يتمتع بها هذا الركن الدمشقي.
فنظراً لموقع التكية السليمانية في محيط جامعة دمشق، ومنطقة الحلبوني التي تضم مكتبات ويأتيها القراء لاقتناء الكتب، يتخذ كثير ممن يجوبون هذه المنطقة، من التكية محطة راحة لأغلبهم.
ويمكن اعتبار عدم وجود تخصيص مبلغ “دخولية” إلى التكية السليمانية أحد أسباب إقبال الكثير من روادها عليها، حيث يكتفي أحدهم بشراء كأس قهوة أو شاي ليجلس في أحد جنباتها متأملاً، أو برفقة الأصدقاء “لتدخين سيكارة”.
وتتخذ بعض البرامج التلفزيونية من ساحة التكية السليمانية موقعاً مميزاً لتصوير حلقاتها، وأكثرها البرامج الدينية، حيث تجري في ساحتها احتفالات في المناسبات الدينية كشهر رمضان، وتشكل تلك الساحة مكاناً مناسباً “للميلوية”، على سبيل المثال.
كما تشهد التكية السليمانية أحياناً معارض فنية، وتشكل موقعاً مميزاً للبازارات التراثية التي تهتم بتسويق المصنوعات اليدوية.
وتعود التكية السليمانية في بنائها إلى أيام “العصملي”، (العثمانيين)، حيث بناها سليمان القانوني عام 1554م، لتمتد على مساحة أحد عشر ألف متر مربع في مشهدية معمارية تجمع بين السحر والألق والوداعة.
وتحاط أطرافها بأشجار الصفصاف والصنوبر، ويجري بردى شمالها، بينما يحدها من الجنوب نهر بانياس أحد فروع بردى، وأقيمت التكية السليمانية في موقع قصر الظاهر بيبرس (قصر الأبلق)، وأشرف على بنائها المهندس الدمشقي العطار.
وتتألف التكية من عمارتين غربية وشرقية، ويحاوطها سور له ثلاثة أبواب رئيسية وصحن سماوي فيه بركة ونافورة، بينما بلط الصحن بالحجارة البيضاء والسوداء، أما الأروقة فمسقوفة بقباب صغيرة، ووراءها قباب أكبر تسقف غرفاً كبيرة.
أما عن مسجد التكية فيقع في الجهة الجنوبية منها، ويتميز بمئذنتيه النحيلتين الرشيقتين، وهما متساويتان في الارتفاع والشكل، ويمثلان طرازاً لم يكن معروفاً في المآذن في دمشق قبل بناء التكية.
ومن الجهة الشمالية تتألف التكية من غرف كبيرة مسقوفة بالقباب وترتكز على أعمدة حجرية داخلية، وفي التكية سوق تجاري يتألف من 22 حانوتاً لتوفير احتياجات الحجاج، آنذاك.
ويتضح من أقسام التكية أن وظائفها تجتمع على إقامة الشعائر والعبادة وإيواء وإطعام المساكين والفقراء وأبناء السبيل وتعليمهم وكذلك توفير الإقامة.
وفي التكية كانت هناك مساكن مخصصة للدراويش، ولا تزال موجودة، لكنها لم تعد تستخدم للإيواء، وهي تتألف من رواق سقفه من القباب المحمولة على الأعمدة، وفيه غرف، كل غرفة منها مسقوفة بقبة، وفي كل جناح ست غرف مربعة الشكل، وهي مزينة بألواح القيشاني، وتشغلها في الوقت الحاضر ورشات أعمال الحرف اليدوية التقليدية.
يذكر أنه شغل أحد جوانب التكية السليمانية في القرن العشرين المتحف الحربي السوري، لكنه نقل من التكية، لتحافظ على خصوصيتها لاسيما وأنها تقع بمحاذاة المتحف الوطني، ليشكل الركنان واجهة سياحية هامة في دمشق.
تلفزيون الخبر