فلاش

هل حولت وزارة الثقافة قلعة حلب العريقة لـ”صالة أعراس” ؟

لكل مدينة هوية وتاريخ وتراث فكيف بواحدة من أقدم المدن على سطح الكرة الأرضية، حلب، المدينة التي ارتبط اسمها بالكثير من المزايا والصفات وابتسامة على الوجه وفرح مكبوت في الصدر وكأنه بحجم جبل عندما يترتل اسمها.

وعندما يذكر اسم حلب تحضر في الذهن العديد من الخواطر، صباح فخري، المطبخ المرعب، ونادي الاتحاد، وعندما يصل الأمر للمقدس يتبادر اسم القلعة، قلعة حلب.

من المعلومات التي لا يعرفها الكثيرون أن قلعة حلب من أعرق القلاع التي لم تسقط بيد غازٍ عبر التاريخ، حتى في حربنا المقدسة الأخيرة، صمد القديسون فيها، واختلط دمهم بترابها، ولم تسقط، على الرغم من محاصرتها من أقذر مخلوقات الأرض، ومن كل الجهات.

وارتبطت القلعة ببال السهارى، بحفلات صبري المدلل وصباح فخري وميادة الحناوي وكبار الفنانين والزوار، حيث يشعر الحلبي بالفخر والغبطة لدى استرجاعه لهذه الذكريات.

وتعرضت القلعة بقداستها، كما تعرض كل شيء في هذه الحرب القذرة على سوريا وتاريخها ومقدساتها للاستهداف، ومن أوجه هذا الاستهداف، الاستهتار، وإن افترضنا من باب حسن النية.

حيث انتشر العام الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، إعلان عن حفلة على مسرح قلعة حلب، اعتبرها مجموعة كبيرة من السوريين إهانة بحق القلعة وتاريخها، وصبوا جام غضبهم على من يسمح بمثل هكذا “مسخرات“.

والحفلة كانت لفريق مصري يطلق على نفسه “اوكا واورتيجا“، وهو صاحب الأغنية الشهيرة “العب يلا”، وألغيت بعد ضغط شعبي.

وظن الجميع أن الحصانة بدأت تعود للقلعة المقدسة، إلا أن أياً من ذلك لم يحصل، واستمرت الحفلات المماثلة.

ومن إحدى الكوارث الأدبية والأخلاقية والتاريخية أن وزارة الثقافة الجهة المسؤولة عن قلعة حلب، تعتبر أنه يمكن لأي شخص أو شركة أن تقوم باستئجار المسرح بعد أن تدفع الرسوم، دون النظر إلى مستوى الفعالية، أو تاريخ القلعة، وكأنها صالة أعراس.

وتشهد المدينة هذه الأيام سخطاً شعبياً، بعد الإعلان عن حفلة للمطرب الشعبي “حسام جنيد“ ، وخاصة أنها برعاية وزارة الثقافة وسيريتل، وما الذي يجمع وزارة الثقافة وحسام جنيد ومسرح القلعة العريقة.

ويقدر الحلبيون، وجهة النظر القائلة أن الحفلات دليل عودة الحياة للمدينة المكلومة بسنوات الحرب، ويتساءلون: أليس هناك عشرات الأماكن العامة والخاصة التي يمكن إقامة الحفل فيها، ومنها المسرح أمام القلعة.

ودعا عدة أشخاص، بينهم صحفيون، لإطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ترفض إقامة الحفل في القلعة على اعتبار أن “مستواه غير لائق لأهمية المسرح الذي استقبل كبار الفنانين عبر الزمان”.

وبحسب ما كتبه أحد الأشخاص عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”، فإن “قلعة حلب التي قاومت الحرب ولم يستطع المسلحون تخريبها يبدو أنها ستخرب على أيدينا”.

وأضاف “ففي حال استمر المسؤولون بإصرارهم حول إقامة هكذا حفلات لا تليق بأهمية القلعة، فإن خرابها آتٍ”، بحسب تعبيره.

وورد في التعليقات تساؤل حول “سبب عدم إقامة الحفل في مكان آخر، كمدرج الجامعة أو نقابة المعلمين أو أحد المطاعم أو الأندية المنتشرة بكافة حلب؟.. هل يعقل أنه لا يوجد مكان لإقامة هكذا حفل سوى القلعة؟.. هذا ما يجعل الأمر مستفز، فالمقصود هو القلعة والتخفيف من أهميتها، أنا لا أرى الموضوع سوى كذلك”.

بدوره، تحدث الشاعر علاء زريفة لتلفزيون الخبر عن وجعه لما يحصل بالقلعة قائلاً: “عندما قرأت رائعة الكاتب البرتغالي “أفونسو كروش” (هيّا نشتر شاعراً)، شعرت بالغرابة كيف يمكننا أن نحول المشاعر و الأفكار إلى سلع؟ كيف يصير للجنون الإبداعي قيمة تسويقية؟”.

وأضاف “الكاتب الذي أبدع بالحديث عن ثقافة عالم ما بعد الحداثة، باكتشاف أن للأفكار منطق مادي معيشي يجب أن يسير بالتوازي مع التطور العلمي والتكنولوجي ممكن أن يحقق أرباحاً مثله مثل أي منتج آخر”.

وتابع “هذا الموضوع متجسد تماماً في إعلان حفلة حسام جنيد في قلعة دمشق. حيث أن الرأسمالية المحلية متحالفة مع وسائل الترفيه الإعلامي التسليعي للزمر، تقوم بتبيض أموالها بحفلات صاخبة لا نسمع فيها سوى الموسيقا المهجنة، والأنكى أنه برعاية وزارة الثقافة التي لم تعد تحترمنا على الإطلاق”.

أما مسؤول قسم الثقافة والمجتمع في تلفزيون الخبر بديع صنيج فرأى أن “الأمر المستغرب هو التحالف غير المنطقي بين ممثلي الثقافة بسوريا وفعاليات اقتصادية لا تهتم بالثقافة أصلاً، فكيف يستوي هذا التحالف سوى بترسيخ مفهوم أن وزارة الثقافة لا تستطيع ولا تبغي الدفاع عن ثقافتنا”.

وبين صنيج أن “كل ذلك يدفعنا للتاكد من أن “دود الخل منو وفيه” بوزارة الثقافة، وعلى ما يبدو فإن الثقافة مكتفية باللعب على السطح دون الغوص في عمق مفهومها، فالخلل واضح للجميع ولا يبدو أن للوزارة نية بإعادة ثقافتنا، بل الهم هو إقامة الاحتفاليات والمهرجانات التي تكون بمعظمها كميّة وعلى حساب الفعاليات الثقافية الحقيقية”.

كما تحدث أحد الباحثين التاريخيين ( فضل عدم ذكر اسمه ) لتلفزيون الخبر قائلاً: “اختلفت الآراء حول إقامة حفلات فنية لمغنين ليسوا على مستوى فني رفيع في مدرج قلعة حلب، فمعارضو هذا الأمر اعتبروا أن الصعود على هذا المدرج شرف رفيع لا يجوز ان يحوزه إلا كبار الفنانين كما كان الأمر سابقاً”.

وشرح الباحث أن “لمدرج قلعة حلب هيبة يجب ان يتم الحفاظ عليها، وهو كمدرج بصرى أو مدرج جرش، له بعد معنوي واحترام كبير يجب المحافظة عليه”.

وتابع: “أعتقد ان بقية دول العالم تحتفظ بمسارح ومدرجات مواقعها التاريخية لمناسبات معينة وتلجأ لمدرجات ملاعب الكرة مثلاً لأحياء حفلات شعبية غنائية”.

وشدد الباحث على أنه “على الرغم من ذلك فيجب الحفاظ على قدسية و هيبة قلعة حلب وعدم استخدام مدرجها كصالة أعراس تؤجر لمتعهدي الحفلات، ويجب اللجوء لأماكن أخرى كمدرجات الملاعب لإقامة مثل هكذا حفلات”.

فهل توقف وزارة الثقافة ما تقوم به تجاه القلعة ؟ وتفسح المجال لها لالتفاظ أنفاسها، والعودة مكسوة بالهيبة والوقار، لتستقبل قامات الفن والأدب والمسرح، كما ينبغي لجلالها.

وفا أميري – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى