“تكتيكات” سورية في وسائل النقل العمومية
لحظة صعوده الباص، وهو يدفع الخمسين المهترئة أو المئة ليرة التي من الممكن أن لا يعود منها شيء، حتى يتوافر للسائق “صرافة”، يمد عمار رأسه مستطلعاً بعين الخبير، محاولاً العثور على “زاوية خالية في الباص المكتظ، لعلمه المسبق أنه لايملك رفاهية الحلم “بكرسي فارغ” في خط “الدوار الجنوبي” وسط دمشق لاسيما أنه يصعد من أحد المواقف، “وما مسك الخط من أوله”.
ويضحك عمار وهو يشرح لتلفزيون الخبر إن “هذا التكتيك دائم وتفرضه الظروف، مع اختلاف الحالة كل يوم”، مضيفاً “تعودنا، المهم نوصل بأقل كلفة وأقل خسائر، فأنت معرض بكل لحظة لدفشة من أحدهم أو نظرة ضيق من إحداهن إذا وقفنا قربها”.
أما التكتيك الذي تستخدمه مرح، طالبة جامعية، فمختلف قليلاً، وتقول” أحاول أن أجد مكاناً بجانب الفتيات بشكل عام، لتجنب محاولات التحرش التي تحدث في الباصات ونسمع عنها، وفي بعض الأحيان أقف بجانب شاب أو رجل جالس، اذ غالباً ما يعطيني مكانه”.
ولا يتعامل حسن مع “التكتيكات” التي تستخدمها مرح وبعض الفتيات الأخريات، بنفس الطريقة، فيقول بصراحة “لست مضطراً للتخلي عن مكاني لأحد، إلا في بعض الاستثناءات مثل أن تكون سيدة أو رجل متقدم في السن أو حامل مثلاً، حينها لا أستطيع أن أدعي أنني لم انتبه له”.
أما دريد فلديه تكتيك أبعد نظراً، ويشرح ” عندما أصعد الباص المكتظ أول ما أبحث عنه راكب معه أغراض كثيرة يضعها على أرض الباص، فأتجه نحوه مباشرة، وانحشر بين أغراضه وجانب الباص الملاصق، إذ غالباً ما احظى بمسافة بعيدة بعض الشيء عن الآخرين حولي، خاصة في هذا الحر”.
ويتابع ” إذا لم أجد مكان بهذه المواصفات، أحاول الابتعاد قدر الإمكان عن أماكن وقوف النساء والأطفال، خاصة أن باصات النقل العام لديها ميزة “قذفك” إلى الأمام واحتمال إصابة من يقف أمامك، حين يقف السائق فجأة، دون أن تكون متشبثاً بشكل جيد”.
أما بالنسبة لباصات النقل الصغيرة “السرافيس”، فلا يخلو الصعود فيها هو الآخر من بعض التكتيكات، غير أن سائقيها هم أبطال التكيتك في أكثر الأحيان.
فيقول أبو نبيل، سائق “سرفيس” على أحد الخطوط المزدحمة في دمشق، ” للصراحة علمتنا الزحمة أن نتحايل على الظروف لنستطيع الاستمرار والتحمل، وعلى سبيل المثال، عندما لا يكون لدي خمسينات لأعيدها للناس، أحاول أن أتجاهل الراكب الوحيد، بينما أقف إذا وجدت شخصين معاً، كي لا اضطر لدخول معركة مع الركاب”.
ويضيف أبو نبيل “أعلم أن ما أفعله غير قانوني وربما إذا اشتكى علي أحدهم “بيخرب بيتي”، لكنني أجد نفسي مضطراً في بعض الأحيان، أو أخبر الراكب قبل صعوده “يلي ما معو خمسين لا يطلع”.
ويروي يوسف لتلفزيون الخبر، حيلة أخرى يلجأ إليها بعض السائقين ويقول “في كراج طرطوس صعدنا في سرفيس أحد خطوط الريف المعروف بازدحامه الدائم، ويبدو أن السائق جديد ولم يتعلم بعد حيل زملائه، إذ جاء بعد أن امتلئ السرفيس الذي يسبقه، وبدأ الناس بصعود حافلته”.
وتابع يوسف ” ليأتيه أحد “القدامى” لائماً، ويقول له وعلى مسمع جميع الركاب ” أنت لساتك جديد وما بتعرف، لا تجي تعبي قبل ما يعبي يلي قدامك أربعات، مفكر ما في سرافيس؟ كلون صافين بعيد وناطرين بعض”.
وتذكر راما أن “شكل السرافيس تغير منذ عدة سنوات، خاصة تلك العاملة في قلب المدن، إذ تم استبدال المقاعد المتحركة بمقاعد خشبية جانبية ليستطيع السرفيس استيعاب أكبر عدد ممكن من الركاب، إلى جانب وضع اسفنجات وأشياء مشابهة فوق المحرك، لتصبح مقعداً نظامياً، يغضب السائق إذا رفضنا الجلوس فيه”.
ظاهرة أخرى ازدادت خلال السنوات الأخيرة، هي “التاكسي سرفيس”، حيث يقوم عدة أشخاص ذوي الوجهة نفسها، بتقاسم أجرة تكسي واحدة، الأمر الذي فتح باب استغلال آخر لدى بعض السائقين، إذ يقومون برفع الأجرة متذرعين بعدة حجج.
وكانت الأزمات المتلاحقة التي شهدتها أسعار الوقود في سوريا، وانقطاعها في بعض الأحيان، إضافة إلى موجات النزوح الداخلي التي أدت إلى تركز أعداد كبيرة من الناس في بعض المناطق، شكلت ضغطاً على وسائل النقل بشكل عام، ومنها العاملة بين المحافظات بعد توقف الكثير من شركات البولمان عن العمل خلال الحرب.
وقامت الحكومات المتلاحقة “ببعض” محاولات التخفيف من هذه الأزمات، حيث تم استيراد أعداد من الباصات الكبيرة في فترات عدة، وتعديل بعض الخطوط.
كما اتخذت محافظة دمشق قراراً بإنهاء عمل السيارات العامة العاملة كـ “تاكسي” أجرة في مدينة دمشق، والمسجلة في عام 2001 وما قبل، وتحويلها إلى سيارات خدمة “سرفيس”، لكن دون تنفيذه حتى اللحظة.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر