هل سمعت من قبل ب “المعرجلينة” ؟
تشتق التراثيات الريفية غالبا أسماءها من طبيعتها أو وظيفتها فتأتي أحيانا غريبة على السمع، على أن هذه الغرابة تحفظ بين طياتها التفرد الذي تمتاز به، وتتحول مع الزمن إلى علامة يتباهى بها أهل المنطقة وتثير فيهم مشاعر الحنين لأيام ولّت.
”لم أستطع إخفاء استغرابي من صعوبة الاسم وغرابته، حين أشار أبي إلى شيء أراه لأول مرة في حياتي، عبارة عن حجر أسطواني مثقوب من وسطه، ومعلق به قطعة حديد ملوية بطريقة تمكن من جر الحجر الثقيل”، هكذا وصفت رؤى “المعرجلينة” أثناء زيارتها لقريتها منذ سنوات.
الباحث “إياد السليم” قال عن هذه الآلة اليدوية القديمة: “استخدمت ( المعرجلينة) لرصّ أسطح البيوت الترابية القديمة، وخاصة بعد هطول المطر إذ إنّ طبقة التراب على أعلى أسقف هذه البيوت تتشقق بعد أن تضربها الشمس وتجفّ”.
وأضاف السليم: “فينتظر أصحابها هطول أول مطر ليصعد صاحب البيت إلى السقف، فيسحب المعرجلينة من مكانها في زاوية السقف، فيجرّها خلفه جيئة وذهاباً على كامل السطح لمرّة أو مرتين حتى تغلق التشققات”.
وأردف الباحث: “وعند جرّها وإقترابها من حرف السطح, يدور الرجل إلى خلفها فيدفعها بإتجاه الحرف بتأنّي، ويحدث أحياناً أن يدفعها بقوة فتهوي من على السطح، وهذه مشكلة، فعندها عليه الإستعانة بجيرانه لحملها وإعادتها إلى السطح، نظرا لثقل وزنه”.
كانت هذه الأسطح تعرجل حوالي عشرة مرات لموسم الشتاء، وإلا فمن الممكن أن تسرح الماء إلى داخل البيت “يدلف الماء من السقف”، رغم أنّ هذه الأسطح كانت تجعل بميلان “سرود” في نهايته مزراب خشبيّ هو عبارة عن نصف جذع شجرة مجوّف.
تأثر طبقة التربة بكلّ إمطار هو السبب الرئيسي لانهيار أسقف البيوت غير المستعملة من هذا النوع، ولازالت بعض هذه البيوت القديمة صامدة بزواياها وأخشابها، لكنها بدون أسقف.
يتذكر محمود هذه الآلة جيداً، فيقول: “عندما كنا صغاراً كنا نصعد إلى أسطح الجيران، وكان أغلبها بيوت طينية، وبفعل شقاوة الطفولة قام رفيقي بدفعها باتجاهي وسبب لي كسر عشرة أصابع”.
وكانت البيوت الترابية تتميز ببرودتها صيفا ودفئها شتاء، إضافة إلى الأجواء الحميمية التي لا زال الكثير من أبناء القرى يتذكرونها، خلال سكنهم فيها وهم صغار فيها.
وقالت فاطمة: “كنت صغيرة جدا عندما استبدل أبي البيت الترابي ببيت من حجر، لكنني لازلت أذكر اجتماع النساء والرجال مساء فيها، وكيف كانوا يجمعون الكلس ويغلقون به الثقوب والتشققات في الجدران الداخلية”.
أزيل الكثير من هذه البيوت وأقيم مكانها بيوت حجرية، وبعضها تهدم بفعل الزمن، فيما بقيت المعرجلينة موجودة على أسطح بعض المنازل، يحتفظ بها بعض المهتمون للذكرى والزينة كجزء من تراث جميل.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر