“عرامو”.. القرية الساحلية المتجذرة في تراب اللاذقية منذ آلاف السنين
يُقال عنها إنها رفيقة الزمن، فهي حاضرة قبل 2000 عام من الآن، استمرت متجذرة في أرضها الساحلية، تطور اسمها من “عراماتو” في رُقيمات أوغاريت إلى “آرامو” ثم عرامو، ومعناها “الأرض المرتفعة في اللغات السامية القديمة.
وتتبع قرية عرامو لناحية صلنفة في التقسيمات الإدارية من القسم الشمالي الشرقي لمحافظة اللاذقية، وتبعد عن مدينة اللاذقية قرابة 40 كيلو متراً.
ويربط قرية عرامو ببلدة صلنفة مركز الناحية، وبمدينة الحفة مركز المنطقة، و تربطها بمدينة اللاذقية عدة طرق منها طريق عبر بلدة صلنفة وآخر عبر قرية صرنا.
وتحدث الباحث في التراث والموروث الشعبي حيدر نعيسة لتلفزيون الخبر عن قرية عرامو، قائلاً: “قرية عرامو من أغنى القرى بالآثار الكلاسيكية الرومانية و البيزنطية والإغريقية، وهذه الآثار شاهدة على تاريخها وعراقتها وطول صحبتها مع الزمن”.
ومن أهم آثار قرية عرامو كنيسة القديس “استفانوس” للأرمن الأورثوذكس، الواقعة في قلب القرية، باعتبار أن عرامو واحدة من أربع مناطق يتواجد فيها الأرمن في محافظة اللاذقية وهي قرية عرامو والغنيمية التابعة لناحية كنسبا وقرية اليعقوبية في منطقة جسر الشغور ومنطقة كسب وحي الكيدون في مدينة اللاذقية.
وبُنيت هذه الكنيسة عام 1267 ميلادي، بناءً على حساب الجُمّل (هي طريقة استخدمت سابقاً في اللغات السامية لتسجيل صور الأرقام والتواريخ باستخدام الحروف الأبجدية، إذ يعطى كل حرف رقماً معينا يدل عليه) وفي اللغة الأرمنية هناك أربعة حروف على الواجهة الغربية للكنيسة هي “ماغران” مجموع هذه الحروف حسب حساب الجُمّل هو 1267.
ورُممت هذه الكنيسة مراراً وتكراراً، فاستبدل سقفها الطيني الخشبي الحجري بسقف من البيتون المسلح، والحقيقة أن جرس هذه الكنيسة من أكثر الأجراس نُدرة في العالم.
وعن الأرمن في قرية عرامو قال نعيسة: “هاجر بعض أهالي قرية عرامو الأرمن إلى إرمينيا عام 1948 وأقاموا هناك، وهم من أصحاب الكفاءات والمهارات العظيمة والحضور الاقتصادي الواسع، حيث يقول المثل العالمي “الأرمني في العالم إما مهندس أو صناعي”، وبقي قسم منهم في قرية عرامو متجذرين ومتغلغلين فيها، وأصحاب فضل على ماهي عليه عرامو الآن”.
وأضاف نعيسة “ما يميز قرية عرامو، دير “مارجرجس” الذي يُعتبر مزار مشترك إسلامي مسيحي، مسجل في مديرية آثار اللاذقية، هذا الدير مضرب مثل في السياحة الدينية المشتركة، حيث يحتوي على القرآن الكريم والإنجيل معاً، يزوره المسلمون والمسيحيون على حد سواء”.
وتحتوي قرية عرامو أيضاً على دير “مريم العذراء”، إلا أن سقفه مهدم، تزينه أجران المعمودية حيث يعمّد الأطفال، ويقع هذا الدير ضمن غابة جميلة وفريدة من نوعها فيها أكثر من 100 ألف شجرة سنديان، إضافة إلى “النواويص” وهي مدافن حجرية قديمة شاع استخدامها في القرون الأولى كمقابر عائلية.
ومن آثار قرية عرامو قلعة “المجدل” ودير “توما” أو “توماس”، هذا الدير تم تسجيله في دائرة الآثار باللاذقية في العام 1959 جنوب قرية عرامو، بمسافة 2 كيلو متر، ضمن بلدية عرامو التي يترأسها محمود المرقبي.
وبدأت قرية عرامو مشوارها الثقافي الذي تجسد على الأرض في العام 2018 المتمثل بـ “مهرجان عرامو الثقافي”، الذي انطلق بجهود شعبية وشمل فعاليات مختلفة هدفها إعادة إحياء التراث الشعبي القديم والتذكير بالعادات العربية الأصيلة.
وستجدد قرية عرامو مهرجانها الثقافي في 14 آب 2019 لمدة أربعة أيام وسيشمل العديد من الفعاليات الثقافية، منها عرس شعبي على الطريقة القديمة وسهرات ريفية، إضافة إلى يوم عمل تطوعي يهدف إلى إعادة إحياء عادة التعاون ومساعدة الآخرين، وكما يُقال التعاون يحلّ كل مشكلة ويقرّب كل بعيد ويكثّر كل قليل.
سها كامل – تلفزيون الخبر – اللاذقية